المطبق الكويتي يحفظ ذاكرة البحر والبهارات وعضو دائم في المناسبات والولائم
يحتفظ المطبخ الكويتي بطبق المطبق كأحد رموزه التي تعكس العلاقة العميقة بين أهل الساحل والبحر، إذ يعد من الأكلات التي توارثتها الأجيال وحافظت على حضورها في المناسبات والولائم، لما تحمله من رمزية الكرم والتجذر في ثقافة الصيد التي ميّزت الكويتيين لعقود طويلة، فالمطبق ليس مجرد وجبة بل هو طقس يجمع العائلة على نكهة تعبّر عن هويتهم البحرية.
يعتمد هذا الطبق على سمك الزبيدي الذي يُعد من أكثر الأسماك المحبوبة في الكويت، ويُحضّر بطريقة تجمع بين البساطة والإتقان، حيث يُغسل السمك بعناية ويُتبّل بخليط من الكركم والكزبرة والكمون واللومي ليكتسب طعمًا متوازنًا بين الحموضة والحرارة، ثم يُترك ليتشرب النكهة قبل أن يُحشى بمزيج غني من البصل والزبيب والشبت والكزبرة المفرومة، فيتكوّن مذاق يجمع الملوحة بالعطر الحلو للأعشاب.
ويبدأ الطهي بتحضير قدر عميق يُحمّس فيه البصل حتى يكتسب لونًا ذهبيًا، ثم تُضاف إليه الطماطم والبهارات الصحيحة، وبعدها يُسكب الأرز البسمتي المنقوع مسبقًا مع الماء المغلي، ويُترك على نار هادئة ليتشرب النكهات، قبل أن يوضع فوقه السمك المحشي، فيبدأ تفاعل الطبقات داخل القدر حيث تمتزج رائحة السمك بالأرز والبهارات في مزيج يجعل المطبخ الكويتي من أكثر مطابخ الخليج تميزًا.

يُقدّم المطبق بعد نضجه بطريقة تلفت الأنظار، إذ يُقلب القدر بعناية على طبق كبير، فتظهر الأسماك محاطة بحبات الأرز الطويلة المشبعة بالزيت والبهارات، وتُزيّن بالبصل المحمّر والكزبرة الخضراء، فيبدو الطبق كلوحة تحمل ملامح الخليج العربي في تنوعه ونكهاته، ويُقدَّم عادة مع الزبادي بالنعناع أو سلطة الخيار والطماطم لتوازن المذاق وتمنحه نضارة إضافية.
ويرى الكويتيون أن المطبق ليس أكلة يومية فحسب بل جزء من تراثهم الذي وُلد من البحر، إذ كانت رائحته تعم البيوت القديمة بعد عودة الصيادين من رحلاتهم الطويلة، فتجتمع الأسر حوله احتفالًا بسلامة العائدين، ويمثل في الوقت نفسه امتدادًا لذاكرة الجدات اللواتي نقلن وصفته بحرفية وحب، كما بقي رمزًا للتلاحم الأسري الذي تميّز به المجتمع الكويتي.
ويؤكد الطهاة المحليون أن سر المطبق يكمن في توازن البهارات وطريقة ترتيب المكونات داخل القدر، فكل طبقة تضيف نكهة وتُحدث فرقًا في المذاق النهائي، مما جعله من الأكلات التي يصعب تقليدها خارج الكويت، لأن مذاقها يرتبط بالمكان والبيئة ورائحة البحر التي تمنحه طابعًا خاصًا، فهو وجبة تعكس روح الخليج وتُظهر قدرة الكويتيين على تحويل البساطة إلى فن.
وتشير خبرات التغذية إلى أن المطبق وجبة متكاملة، تجمع بين البروتين من السمك، والكربوهيدرات من الأرز، والدهون الصحية من الزيت والبهارات، وتحتوي على الفيتامينات والمعادن التي تمنح الجسم طاقة عالية، ما يجعلها طبقًا تقليديًا لا يفقد مكانته رغم تطور الأذواق الحديثة، بل يظل شاهدًا على أصالة المطبخ الكويتي الذي ما زال يحتفظ بنكهات الماضي في كل لقمة.
المصدر: ويكيبيديا