الجمعة 1447/05/02هـ (24-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مرئي » الملابس » “القلنسوة الفيصلية”.. عندما يغادر غطاء الرأس مقعده النبيل إلى دهاليز الحنين البغدادي العميق

“القلنسوة الفيصلية”.. عندما يغادر غطاء الرأس مقعده النبيل إلى دهاليز الحنين البغدادي العميق

تميز المشهد الحضري العراقي، ولا سيما في بغداد، بارتداء قبعة “السيدارة” أو “السدارة الفيصلية” منذ منتصف عشرينيات القرن الماضي، وهي قلنسوة بلا حافة، أصبحت رمزًا لأناقة الرأس في الحقبة الملكية بالعراق.

اكتسبت هذه السدارة شهرة واسعة في المناسبات الوطنية والرسمية، قبل أن تبدأ بالاندثار تدريجيًا مع انقلاب عام 1958 ووصول الجمهوريين إلى سدة الحكم، الذين أنهوا النظام الملكي القائم.

تبدو السدارة في تصميمها على شكل نصف دائري مقوس، يتجه إلى التدبب من المنتصف تقريبًا، وتُطوى غالبًا إلى طيتين داخليتين، ويغلب عليها اللون الأسود الذي كان يُعد لونها الرسمي، على الرغم من وجود ألوان أخرى متوفرة منها.

تشير المصادر التاريخية إلى أن أصل كلمة “السدارة” آرامي، وهي معرّبة من اللفظ الفارسي الذي كان يعني غطاء الرأس عند ملوك الفرس القدماء.

برز ارتداء السدارة مع تولي الملك فيصل الأول عرش العراق في أغسطس 1921، كأول ملوك المملكة العراقية الحديثة، حيث كان يسعى لترسيخ تقاليد ونظم حديثة تميز العهد الجديد عن سيطرة العثمانيين السابقة، أراد الملك إيجاد لباس رأس وطني ليكون زيًا رسميًا لموظفي الدولة، أو “الأفندية”، ليحل محل الطربوش أو الفينة.

وزع رستم حيدر، مستشار الملك آنذاك، الدفعة الأولى من السدارة على الوزراء، فيما كان الملك فيصل الأول هو أول من ارتداها بنفسه لتشجيع الرعية على القبول بها، ولذلك سُميت باسمه “فيصلية”.

انقسمت السدارة إلى أنواع مختلفة، كان أولها “سدارة الچبن” المصنوعة من الصوف المضغوط، والتي تميزت بحجمها الكبير وارتداها كبار القوم والشخصيات المهمة مثل رئيس الوزراء ياسين الهاشمي.

وظهر نوع آخر سُمي “السدارة السكوجية”، التي كانت تُصنع من القماش وتُفصّل غالبًا من نفس خامة بدلة الرجل، وكانت أصغر حجمًا من سدارة الچبن، ارتدى هذا النوع أفراد الشرطة والجيش في العهدين الملكي والجمهوري حتى سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يتم استبدالها تدريجيًا بـ “البيرية” في أغلب الصنوف.

بدأت المحاولات لإلغاء السدارة بعد انقلاب بكر صدقي في نوفمبر 1936، حيث أصدرت الحكومة قانونًا لاستبدال السدارة “الوطنية” بالقبعة الأوروبية، معتبرة إياها مظهرًا للتطور والاتصال بالعالم الخارجي.

انتهى هذا الرمز عمليًا مع انقلاب 1958، الذي أطاح بالحكم الملكي وأنهى كل رموزه المرتبطة به، بما في ذلك السدارة، التي أصبحت جزءًا من الماضي.

وانتعشت ظاهرة ارتداء السدارة مؤخرًا في الأوساط الثقافية والفنية، ويعتبر الأستاذ الدكتور أحمد جار الله ياسين أن هذا يمثل شكلاً من أشكال الحنين للماضي، خاصة للماضي السياسي الذي كانت فيه الدولة ومؤسساتها راسخة، وصف جار الله هذا الانتعاش بأنه عودة رمزية روحية تعويضية، إضافة إلى كونه إحياءً لرمز الطبقة المثقفة والأناقة.

وتُقام معارض سنوية لعرض السدارة في أربيل بكردستان العراق، تعبيرًا عن التمسك بهذا التراث التقليدي الخاص بالزي القديم، كما أوضح شيرزاد رسول.

المصدر: الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار