تحتفظ القاهرة التاريخية بمكانتها كأحد أبرز مواقع التراث العالمي بعد تسجيلها على قائمة اليونسكو عام 1979، وتُعد من أوسع المدن التراثية الحية في العالم، حيث ما تزال تعيش في أحيائها القديمة حياة يومية نابضة وسط نسيج معماري متنوع تشكل عبر قرون متتالية.
وتمتد المنطقة لتشمل أحياء متعددة مثل الجمالية والحسين والدرب الأحمر والسيدة زينب، وتزخر بمئات المباني الدينية والإدارية والتجارية والدفاعية التي تنتمي لعصور إسلامية مختلفة، بدءا من الفاطميين، مرورا بالأيوبيين والمماليك والعثمانيين، وصولا إلى بدايات العصر الحديث.
تتميز شوارع القاهرة القديمة بقدرتها على الحفاظ على تخطيطها العمراني الأصلي، فقد احتفظت بأزقتها الضيقة المتعرجة وأسواقها المغطاة ومساجدها ومدارسها وأسبلتها التي لا تزال تؤدي وظائفها حتى اليوم، وتدل هذه العناصر على نظام حضري متكامل كان يستجيب لحاجات السكان ويعكس الحياة اليومية والاجتماعية والدينية في كل عص، ويظهر ذلك بوضوح في مناطق مثل شارع المعز الذي يضم وحده عشرات الآثار المتنوعة، ويُعد نموذجا حيا على استمرارية استخدام الفضاءات التاريخية في أنشطة معاصرة.
تضم القاهرة التاريخية مباني ذات طابع ديني مميز، من بينها جامع الأزهر، وجامع السلطان حسن، ومسجد ابن طولون، كما تحتوي على منشآت خدمية مثل البيمارستانات، ومبانٍ دفاعية مثل أبواب القاهرة وأسوارها، إضافة إلى منشآت جنائزية تضم أضرحة لشخصيات دينية وسياسية لعبت أدوارا هامة في التاريخ الإسلامي، وتكشف هذه المباني عن تطور العمارة الإسلامية وارتباطها بالفكر الديني والوظيفة الاجتماعية.
تتميز المنطقة أيضا باستمرارية عدد من الحرف التقليدية التي كانت تمثل العمود الفقري للحياة الاقتصادية في المدينة، مثل صناعة النحاس، وتطريز الخيامية، وصناعة الزجاج الملون، ويعمل الحرفيون في ورش قديمة يكتسب منها الزائر صورة حقيقية عن المهارات اليدوية التي توارثتها الأجيال، وتظل هذه الصناعات مصدر جذب سياحي وثقافي وتوفر فرص عمل لسكان الأحياء التاريخية.
ترتبط القاهرة التاريخية بعدد من الشخصيات والأحداث البارزة، فقد كانت مركزا للسلطة والتعليم والدين، كما استضافت كبار العلماء والأدباء والرحالة الذين وثقوا حياتها في كتبهم، ويُعد وجود الأزهر كمركز تعليمي بارز دليلا على مكانة المدينة الثقافية، إلى جانب قصور السلاطين والحكام التي ما زال بعضها قائما حتى الآن.
ويُنظر إلى المدينة باعتبارها متحفا مفتوحا يشهد على تداخل القرون، ويكشف قدرة الإنسان على الحفاظ على تراثه وسط الضغوط الحضرية، كما تعمل الدولة حاليا على تنفيذ عدد من مشروعات الترميم وتطوير البنية التحتية في إطار رؤية تهدف للحفاظ على هوية المنطقة ودعم دورها السياحي والثقافي، في ظل تحديات متعلقة بالزحام والتدهور العمراني وبعض الممارسات العشوائية التي تهدد توازن المدينة التاريخية.
المصدر: اليونسكو