الثلاثاء 1447/07/03هـ (23-12-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » غير مادي » المعالم التاريخية » “السبوع”.. رحلة تاريخية تجمع قبائل الصحراء الجزائرية احتفاءً بالمولد النبوي

“السبوع”.. رحلة تاريخية تجمع قبائل الصحراء الجزائرية احتفاءً بالمولد النبوي

يمثل “السبوع”، أحد أقدم الطقوس الاجتماعية في الجنوب الغربي للصحراء الجزائرية، رحلة سنوية تُحيي فيها قبائل المنطقة الزناتية تاريخها المشترك، وتُعزز الروابط التي توحدها، هذه العادة، التي تُقام احتفالًا بالمولد النبوي الشريف، هي أكثر من مجرد زيارة دينية، بل هي ملتقى ثقافي واجتماعي يجسد الهوية الجماعية لهذه المجتمعات.

تستمر رحلة “السبوع” على مدار أسبوع كامل، حيث يتوافد الزوار من مختلف المناطق لزيارة أضرحة الأولياء الصالحين، في مسار متوارث يجمع بين الجانب الروحي والاحتفالي، تبدأ الاستعدادات لهذه الرحلة قبل أسابيع، حيث يتم تجهيز القوافل واستقبال الضيوف، في مشهد يعكس كرم الضيافة وعمق التقاليد المحلية.

تتخلل هذه الأيام السبعة مجموعة من الممارسات الثقافية الغنية، التي تتناقلها الأجيال، وتشمل الزيارات المتبادلة بين العائلات، والاحتفالات المبهجة التي يصدح فيها الغناء التقليدي، وتنتشر فيها رقصات الفلكلور الشعبي، هذه الفعاليات لا تقتصر على كونها مظاهر احتفالية، بل هي وسيلة للتعبير عن الفرح والوحدة.

تميمون، الاحتفالات بذكرى سبوع المولد النبوي الشريف

تصل هذه الرحلة إلى ذروتها في اليوم السابع، حيث يتجمع جميع الزوار في ساحة واسعة خارج زاوية سيدي الحاج بلقاسم، التي تعد القلب النابض لهذا الحدث، يمثل هذا التجمع ذروة التلاحم الاجتماعي، ففيه يتم تبادل الأحاديث واستعراض الإنجازات، وتُعاد صياغة العلاقات الاجتماعية بين العشائر والقبائل.

إن اختيار زاوية سيدي الحاج بلقاسم لإنهاء طقوس “السبوع” ليس صدفة، بل هو تعبير عن الأهمية الروحية والتاريخية لهذا المكان، الذي يحتضن ضريح الولي الصالح ويشكل محورًا مركزيًا في الذاكرة الجماعية للمنطقة، هذه الزاوية، بفضل موقعها في قلب قورارة، أصبحت رمزًا للوحدة والتواصل.

لم يأتِ الاعتراف الدولي بـ”السبوع” من فراغ، ففي عام 2015، أدرجت منظمة اليونسكو هذه الرحلة السنوية في قائمة التراث الثقافي غير المادي بالجزائر، وهو ما يؤكد قيمتها الحضارية والإنسانية، هذا الإدراج يعد تكريمًا لجهود الأجيال التي حافظت على هذا التقليد، وإقرارًا بأهمية الحفاظ على التراث.

يُظهر “السبوع” أن التراث الثقافي ليس مجرد ذكريات من الماضي، بل هو جزء حي من الحاضر، يساهم في تشكيل الهوية، ويعزز الروابط الاجتماعية، هذه الرحلة السنوية، بكل تفاصيلها، هي رسالة إلى العالم بأن الحضارة تُبنى على القيم المشتركة، وأن الاحتفاء بالماضي هو الطريق نحو مستقبل مترابط.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار