يحافظ الزي السيناوي على مكانته كرمز أصيل يعبر عن عمق التراث المصري في صحراء سيناء، ويعكس هذا الزي ملامح الهوية البدوية التي صمدت أمام تغيرات الزمن، إذ يُعتبر شاهدًا على تاريخ طويل من العادات والقيم التي تناقلتها الأجيال عبر مئات السنين، ويحتفظ كل تفصيل فيه بحكاية ترتبط ببيئة الصحراء القاسية وروح أهلها الصامدة، بينما يحمل التطريز اليدوي دلالات فنية واجتماعية متجذّرة في الذاكرة الشعبية.
يبدأ حضور المرأة السيناوية من ثوبها المطرز الذي يُعد قطعة فنية بحد ذاته، فهو فستان طويل فضفاض يمتد حتى الكاحل وغالبًا ما يُصنع من القماش الأسود، ويُزيَّن بخيوط ملونة زاهية كالأسود والأحمر والأخضر والأزرق، وهي ألوان ترتبط بعناصر الطبيعة مثل الرمال والسماء والنخيل، ويستغرق تطريزه وقتًا طويلًا يصل في بعض الأحيان إلى سنوات، لأن كل غرزة تُنفذ بدقة وصبر، وتُعد النساء السيناويات أنفسهن المسؤولات عن حياكته بأيديهن، ما يجعل كل ثوب فريدًا في شكله وتصميمه.
ويرافق هذا الثوب قطع أخرى مثل البرقع الذي يغطي الوجه ويُستخدم للزينة والستر في الوقت نفسه، إضافة إلى عصبة الرأس التي تميز النساء في المناسبات، بينما يُلف الحزام المعروف باسم “الحزام السيناوي” حول الخصر، ليُبرز أناقة الزي ويمنحه طابعًا تقليديًا يعكس اعتزاز المرأة بتراثها.
أما الرجل السيناوي فيرتدي الجلباب الواسع الذي يلائم طبيعة الحياة في الصحراء، إذ يمنح الجسم حرية الحركة ويحميه من الحرارة، ويضع على رأسه الشال أو العمامة لتقيه أشعة الشمس القوية، ويُعد هذا المظهر البسيط تجسيدًا للحياة البدوية التي تعتمد على الصبر والتحمل والانسجام مع الطبيعة، وهو في الوقت نفسه رمز للكرم والرجولة التي تميز رجال القبائل السيناوية.
ويتجاوز الزي السيناوي كونه مجرد لباس يومي ليصبح تعبيرًا عن الهوية والانتماء، فهو بمثابة بطاقة تعريف اجتماعية تُظهر القبيلة التي ينتمي إليها صاحبها من خلال الألوان والزخارف، كما يُعتبر وسيلة لحفظ الحرف التقليدية التي تمثل مصدر دخل لنساء كثيرات يعتمدن على صناعة الأثواب المطرزة في تلبية احتياجات أسرهن.
وتحمل الألوان المستخدمة في التطريز دلالات خاصة، فالأحمر يرمز إلى القوة والحيوية، والأخضر يشير إلى الخصوبة والنماء، بينما يعكس الأزرق الهدوء والسلام، وهي رموز مستوحاة من حياة الصحراء التي تمزج بين الصرامة والجمال، كما تُعد هذه الرموز وسيلة للتعبير عن المعتقدات القديمة التي ارتبطت بالطبيعة وظواهرها.
ويُرتدى هذا الزي في المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والأعياد والاحتفالات القبلية، ليشكل مشهدًا بصريًا مبهجًا يجمع بين الألوان والتفاصيل الدقيقة، وتبقى هذه العادة جزءًا من الحياة اليومية رغم محاولات الحداثة، لأن الزي السيناوي لا يُمثل الماضي فقط، بل يُجسد استمرار الحضور الثقافي لأهل سيناء في الحاضر والمستقبل، ما يجعله رمزًا وطنيًا يتجاوز الحدود الجغرافية ليروي قصة شعب حافظ على تراثه رغم كل التغيرات.
المصدر: اليوم السابع