السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » السودان » مادي » المعالم التاريخية » الدامر السودانية.. مدينة أثرية تجمع بين التاريخ والثقافة والتراث الصوفي

الدامر السودانية.. مدينة أثرية تجمع بين التاريخ والثقافة والتراث الصوفي

تقع الدامر على الضفة الشرقية لنهر النيل في شمال السودان، وتبعد حوالي 300 كيلومتر شمال الخرطوم، وتحتل موقعاً استراتيجياً عند مقرن نهر عطبرة بالنيل، وتعد عاصمة ولاية نهر النيل، وتتميز بكونها مدينة إدارية وتاريخية قديمة، وأثبتت الدراسات الأثرية والانثربولوجية أن استيطانها البشري مستمر منذ آلاف السنين.

اشتهرت الدامر بالعلم والعلماء والتصوف، ويقول المخرج الطيب صديق من أبناء المدينة إن المدينة حافظت على أصالتها رغم كونها عاصمة شمال السودان منذ 1905، وكانت مقر مديريات مختلفة عبر العصور، وبرزت فيها خلاوي المجاذيب التي أسست لتعليم القرآن وعلومه ونشرت قيم التسامح الديني.

احتفظت المدينة بتسمية تاريخية قديمة “دار الأبواب” لكونها نقطة تقاطع طرق تجارية هامة بين حضارات الكوش والمروية، وكانت موطناً لقبائل مختلفة تعمل في الزراعة والتجارة، ويقدر عدد سكانها حالياً نحو 125 ألف نسمة، وقد ساعدت الخلفية الدينية للمدينة في استيعاب جميع الثقافات السودانية، وأصبحت مكاناً يلتقي فيه الباحثون عن العلم والدين.

أقام في الدامر مسجد الشيخ المجذوب العتيق، وهو ثالث مسجد في السودان بُني قبل خمسة قرون، ويشير الطيب صديق إلى أن أجداد أهل المدينة الذين ناصروا الثورة المهدية أعدموا فيه على يد الإنجليز، كما تنتشر في المدينة عدة أضرحة لشيوخ المجاذيب مثل الشيخ حمد بن عبد الله والشيخ محمد المجذوب، وتضم قباباً تاريخية في القرى المحيطة مثل المكابراب والشعديناب والكبوشاب.

استقر الفقيه حمد في موقع المدينة الحالي بعد تلقيه علوم القرآن على يد والده، وعرف المكان باسم “حمد الدامر”، ويقول البعض إن المجاذيب الذين سكنوا قرية درو جنوب المدينة أسسوا الدامر، وتحول الموقع إلى مورد مياه ومركز للتعبد والتعليم مع مرور الوقت، ويشير البروفيسور عبد الله الطيب إلى أن اسم المدينة قد يكون مرتبطاً بالعبادة الليلية أو بفيضان النيل.

نشر “رجل درو” تعاليمه الدينية في أنحاء السودان، واستقر ابنه حمد في الدامر، ولا يزال ضريحه مزاراً تاريخياً، واشتهرت المدينة بالثقافة والعلم، ومن أبرز أبنائها العلامة عبد الله الطيب والشعراء محمد المهدي المجذوب وعكير الدامر، بينما اشتهر الفنانون مثل ذو الفقار حسن عدلان وقاسم أبوزيد وحنان النيل في المسرح والموسيقى، وكانت خلاوي المجاذيب مركزاً لتعليم القرآن واللغة العربية وتسوية النزاعات بين القبائل.

أسس في المدينة متحف وادي النيل الذي يضم مقتنيات أثرية كوشية ومروية وأدوات تراثية، وتنتشر القلاع التاريخية مثل قلعة ود عيسى وقلعة ود سليمة، وزارها الرحالة والمستشرقون مثل جيمس بروس ويوهن لودفيك بركهارت، ووصفوها بأنها مدينة نظيفة ومنظمة يسكنها المجاذيب من أصل عربي.

أعلنت الدامر عاصمة للشباب في مايو الماضي، ورصدت الحكومة 290 مليون جنيه لتشييد بنية تحتية رياضية وثقافية، لكن المشاريع لم تنفذ بالكامل، بينما يشدد الناشطون على ضرورة مراعاة إرث المدينة الثقافي والصوفي، ويشير المخرج الطيب صديق إلى افتقار المدينة للمسارح والمراكز الثقافية، ويذكر أن الموسم الثقافي الوحيد كان مهرجان تخريج كلية المعلمات وعيد ماري جرجس.

تضم المدينة أكبر أسواق الإبل والمواشي في السودان، ويعد “سوق السبت” اجتماعاً أسبوعياً للمزارعين والتجار، وتبقى الدامر مدينة الحكايات، فكل قهوة وخلوة وشارع يحمل ذاكرة وتاريخاً، ويؤكد الطيب أن سكان المدينة يسعون لتنمية متوازنة عبر الدولة، ويؤمنون بأهمية مراعاة الإرث الثقافي والتاريخي لتحقيق مستقبل أفضل.

المصدر: القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار