الجمعة 1447/05/16هـ (07-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مرئي » المعالم التاريخية » الحضرة القادرية في بغداد صرح ديني وتاريخي صمد أمام قرون من التحولات السياسية

الحضرة القادرية في بغداد صرح ديني وتاريخي صمد أمام قرون من التحولات السياسية

تشهد الحضرة القادرية في قلب بغداد على تاريخ طويل يمتد لأكثر من تسعة قرون، إذ تعد من أبرز المراكز الدينية والروحية في العراق والعالم الإسلامي، وتحتضن ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني الذي عاش في القرن السادس الهجري وترك إرثًا علميًا وروحيًا لا يزال أثره واضحًا حتى اليوم، ويقصدها الزوار من مختلف البلدان لما تمثله من رمزية دينية وصوفية كبيرة في التراث الإسلامي.

وتقع الحضرة في منطقة باب الشيخ ضمن جانب الرصافة من بغداد، وهي في الأصل كانت مدرسة باب الأزج التي أنشأها العالم أبو سعيد المخرمي عام 541 هـ، ثم تولى الشيخ عبد القادر التدريس فيها بعد وفاة مؤسسها، وبعد رحيله دُفن في المدرسة التي تحولت لاحقًا إلى مزار كبير حمل اسمه، فأصبحت تعرف بالحضرة القادرية، بينما تغير اسم المنطقة المحيطة بها إلى “محلة باب الشيخ” تخليدًا لذكراه التي رسخت في وجدان البغداديين.

وتعرضت الحضرة للدمار بعد الغزو المغولي الذي اجتاح بغداد عام 1258، لكنها أعيد بناؤها في العهد العثماني بأمر السلطان سليمان القانوني خلال فتحه لبغداد سنة 1534، حيث تولى المهندس الشهير معمار سنان إعادة إعمارها وفق الطراز العثماني الإسلامي، فتميزت بجمال هندستها وزخارفها ونقوشها الدقيقة، وتبلغ مساحتها نحو 12 دونمًا بطول يقارب 200 متر وعرض 160 مترًا، وتضم مسجدًا وضريحًا ومكتبة عامرة بالمخطوطات النادرة.

صورة مبنى الحضرة القادرية في عام 1887 كما نشر في مجلة نيو انكلاند عام 1907

وتستوعب الحضرة في صلاة الجمعة أكثر من ألفي مصلٍ، بينما يرتفع العدد إلى نحو خمسين ألفًا في صلاة العيد، ولها مئذنتان شامختان تعكسان طابع العمارة الإسلامية العثمانية، أما مكتبتها المعروفة بالمكتبة القادرية فتضم آلاف المخطوطات في التفسير والحديث والفقه والتصوف، إلى جانب كتب نادرة توثق الحياة الفكرية في بغداد منذ القرون الوسطى حتى العصر الحديث.

وشهدت الحضرة القادرية عبر تاريخها أحداثًا مفصلية في حياة المدينة، إذ كانت مركزًا للحراك الشعبي والسياسي ضد ظلم الولاة خلال العهد العثماني، وكان الناس يجتمعون في ساحتها للاحتجاج والانطلاق منها نحو الإصلاح، كما أشار إلى ذلك المؤرخون علي الوردي وعماد عبد السلام رؤوف وجمال الدين فالح الكيلاني، وقد تعاقب على منبرها عدد من العلماء البارزين، من أبرزهم مفتي العراق الشيخ عبد الكريم المدرس وتلميذه عفيف الكيلاني والخطيب محمود العيساوي.

وفي العصر الحديث لم تسلم الحضرة من آثار العنف الذي طال العراق، ففي الثامن والعشرين من أيار عام 2007 تعرضت لتفجير بسيارة مفخخة أوقع أربعةً وعشرين قتيلًا وأكثر من ستين جريحًا، وألحق أضرارًا كبيرة بالقبة والمنارة والجدران الخارجية، لكن العراقيين سارعوا إلى ترميمها وإعادة فتحها أمام المصلين والزوار، تأكيدًا على تمسكهم بإرثها الديني والحضاري الذي تجاوز المحن.

وتبقى الحضرة القادرية اليوم رمزًا لهوية بغداد الإسلامية ومركزًا روحانيًا يجمع بين العبادة والعلم، كما تمثل شاهدًا على قدرة المدينة على الصمود رغم ما مرّ بها من غزوٍ ودمار، فهي ليست مجرد ضريحٍ لشيخٍ صوفيٍ، بل معلمٌ من معالم تاريخ الأمة، ومؤسسةٌ روحيةٌ وثقافيةٌ ما زالت نابضة بالحياة في قلب العاصمة العراقية.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار