يظل “الخنجر اليماني”، أو ما يُعرف شعبياً باسم “الجنبية”، جزءاً لا يتجزأ من الموروث واللباس التقليدي اليمني المميز، حيث يمتد تاريخياً إلى ما قبل ظهور الإسلام بقرون طويلة، الأمر الذي يجعله رمزاً لحضارة موغلة في القدم، كما يمثل جزءاً من الهوية.
تفاخر اليمنيون على مدى قرون طويلة بهذا اللباس العريق، وتباهوا بشكل خاص باقتناء الجنابي ذات الأثمان الباهظة والمواد النادرة، والتي تنتقل كإرث ثمين من الآباء إلى الأبناء وعلى مدى أجيال عديدة، ما يؤكد قيمتها العائلية والتاريخية.
يعود سبب التمسك والاحتفاظ بهذه الجنابي إلى كونها ترمز بشكل أساسي إلى المستوى الاجتماعي والوجاهة القبلية لهذه العائلة أو تلك في المجتمع اليمني، ما يمنحها بعداً اجتماعياً عميقاً يفوق قيمتها المادية، ويجعلها مؤشراً على المكانة.
أصبحت الجنبية أحد مظاهر التفاخر والتباهي الاجتماعي الراسخة، لذا فإن زعماء القبائل والشخصيات الكبيرة في الدولة يحرصون بشدة على اقتناء جنابي غالية الثمن ومتقنة الصنع، وتتراوح أسعارها في السوق بين 10 إلى 20 مليون ريال يمني، ما يعادل 8 إلى 16 ألف دولار أميركي.

يُعدّ سوق “العسوب” في صنعاء القديمة، المعروف أيضاً باسم “سوق الجنابي”، أحد مراكز الإشعاع التراثي اليمني، وتحفة للصناعات الحرفية اليدوية في البلاد، كونه يقدم أهم عنصر في الهندام اليمني التقليدي، وخصوصاً في المناطق والمدن الجبلية، ما يجعله وجهة للحرفيين.
يتميز هذا السوق عن غيره بكونه يظل مكتظاً بالناس والزوار طوال العام، ويزداد الاكتظاظ بشكل خاص في مواسم الأعياد والمناسبات الدينية، ويعلل المختصون ازدهار هذا السوق إلى الرغبة الشعبية في السير على خطى الأجداد في صنع وتركيب الجنبية المشهورة، ما يغذي الصناعة المحلية.
يُذكر أن رأس الجنبية، الذي يُطلق عليه “المقبض”، هو الجزء الذي تتوقف عليه القيمة الحقيقية للجنبية، وهو يُصنع تقليدياً من مواد نادرة وغالية، مثل قرون وحيد القرن، وقرون الوعل، وسن الفيل، أو من المواد البلاستيكية والخشب في الأنواع الأقل ثمناً، ما يحدد جودتها.
تُعتبر “الصيفاني” أشهر أنواع الجنابي وأغلاها على الإطلاق، حيث يتراوح عمر الجنبية التي تحمل هذا الرأس ما بين 400 و1500 عام، وهي لا تقدر بثمن لشدة صفائها ورونقها وندرة مادتها، وسميت بذلك لشدة صفائها اللوني، ما يرفعها إلى مصاف الآثار.
تأتي في الدرجة الثانية من حيث القيمة “الجنبية الأسعدية”، حيث تشير المصادر إلى أنها ترجع في أصلها إلى أحد ملوك اليمن القدماء واسمه أسعد الكامل، وتليها “الجنبية العاجية” المصنوعة من سن الفيل، ثم بدرجات وأسعار أقل تأتي الجنابي المصنوعة من قرون البقر أو البلاستيك والخشب، ما يعكس تدرج الجودة.
كان الحضور الصيني في اليمن سيكون طبيعياً لو أنه توقف عند مجرد الصناعات الصينية المعروفة التي تكتظ بها السوق اليمنية، مثلما تنتشر في باقي الأسواق العربية والعالمية، لكنه شكل حدثاً سلبياً بارزاً منذ بضع سنوات، ما قلب الموازين في سوق الجنابي.
حطم الصينيون سور الموروث التاريخي اليمني العظيم، والذي لم يقترب أحد من التلاعب به من قبل، وبدأوا بتصدير جنابي “مقلدة” إلى الأسواق اليمنية بأسعار زهيدة، ما أحدث صدمة في أوساط الحرفيين المحليين.
يعتقد البعض أن انتشار الجنابي المصنوعة في الصين خلال السنوات الأخيرة يرجع إلى الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها اليمن، حيث فضل الكثيرون التنازل عن التباهي بالجنابي الفاخرة، مقابل عدم التخلي عن هذا اللباس كجزء يميز الشخصية اليمنية، ما يوضح الدافع الاقتصادي وراء الشراء.
قابلت الجهات المعنية في بداية الأمر ذلك الغزو الصيني المتمثل بـ”الجنابي المقلدة” أو المزيفة بإجراءات صارمة، حيث نظمت غرفة العمليات المركزية بوزارة الصناعة والتجارة عدة حملات تفتيشية قوية، أسفرت عن ضبط وتحريز ما يقارب 50 ألفاً من الجنابي والأحزمة المقلدة.
شددت الوزارة آنذاك على أن الحملات سوف تستمر ولن تتوقف، وستشمل بقية المنتجات الحرفية التقليدية المقلدة للمنتجات الحرفية الوطنية، مؤكدة تصميم وجدية الدولة في حماية الصناعات الحرفية والتقليدية ذات الطابع الفريد الذي تشتهر به اليمن، ما بث الأمل في نفوس الحرفيين.
تراجع ذلك الحماس الرسمي واختفت حملات التفتيش الحكومية في وقت لاحق، ولاعتبارات كثيرة من بينها المتغيرات السياسية والتدهور الاقتصادي الذي اتجه إليه الوضع اليمني، ليصبح المعروض من الجنابي المصنوعة صينياً أكبر بكثير من حجم الإنتاج المحلي، ما يهدد بضياع هذه الحرفة.
المصدر: العربية