الأحد 1447/04/20هـ (12-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » مرئي » الطعام » البريك التونسي يواصل حضوره الرمضاني بين التراث الشعبي وتنوع المذاقات

البريك التونسي يواصل حضوره الرمضاني بين التراث الشعبي وتنوع المذاقات

يُعرف البريك في المطبخ التونسي كأحد الأطباق الرمضانية التي تحافظ على حضورها في كل بيت، إذ يرتبط هذا الطبق بتاريخ اجتماعي وثقافي طويل، ويُروى أن منشأه يعود إلى الجالية اليهودية في تونس قبل أن تتبنّاه العائلات المسلمة ويصبح جزءا من التراث الغذائي المشترك، حيث تحوّل مع الوقت من مقبل رمضاني بسيط إلى طبق رمزي يعكس هوية المائدة التونسية، وانتقل تأثيره إلى المدن الليبية والجزائرية المجاورة بحكم القرب الجغرافي وتبادل العادات.

يُصنع البريك عادة من عجينة رقيقة تُعرف باسم الملسوقة، وهي أساس هذا الطبق الذي يتيح تنوعا واسعا في الحشوات، إذ يفضّل كثير من التونسيين بريك البيض المعروف محليا باسم “بريكة بالعظمة”، الذي يجمع بين البيضة الكاملة والتونة والهريسة والكبار والبصل والبقدونس، وتُطوى الملسوقة بعد وضع المكونات ثم تُقلى في زيت ساخن لتمنح مزيجا من القرمشة والنكهة.

يُظهر البريك قدرة المطبخ التونسي على الابتكار ضمن الموروث، فمع الحفاظ على القاعدة الأساسية، تتعدد الأشكال والمذاقات بحسب المناطق، حيث يُستبدل أحيانا السمك أو التونة بالجمبري أو اللحم المفروم، وتُضاف مكونات أخرى مثل البطاطا المهروسة أو الزيتون المخلل، أو يُدمج الحشو في خليط واحد بدلا من ترتيب المكونات بشكل منفصل، مما يعكس مرونة الوصفة واستجابتها لاختلاف الأذواق والعادات الأسرية.

طريقة عمل البريك التونسي بالدجاج وبالجمبري

يتغير شكل البريك أيضا وفق طريقة الطهي، إذ يُقدَّم أحيانا على هيئة نصف دائرة أو مربع أو مثلث، بل ويتحول في بعض المطاعم إلى أصناف فاخرة تُقدَّم ضمن أطباق راقية، في حين تتداول العائلات شكلا آخر يُعرف باسم “صوابع فاطمة”، وهي ملسوقة ملفوفة ومحشوة تقلى حتى تكتسب لونا ذهبيا، وهناك أيضا نسخ مصغّرة تُشبه “السمبوسة” المشرقية، ما يوضح كيف تتقاطع الثقافات في المطبخ العربي وتعيد إنتاج المكونات بروح محلية.

يمتلك البريك بعدا اجتماعيا خاصا يتجاوز مجرد كونه طعاما، إذ يحمل رموزا تتصل بالعادات والتقاليد التونسية القديمة، ومن أكثرها طرافة عادة تقدمه أم الفتاة لخطيب ابنتها أثناء فترة الخطوبة، حيث تُقدَّم له “بريكة ببيضة رائبة”، ويُنظر إلى طريقة أكله كمؤشر على شخصيته، فإن تناولها دون أن يسكب صفارها عُدّ رجلا منضبطا قادرا على تحمل مسؤولية الحياة الزوجية، وهي عادة ما زال البعض يتداولها كإشارة رمزية إلى حُسن السلوك والاتزان.

يعكس استمرار حضور البريك في المائدة التونسية قدرة المجتمعات على صون تراثها عبر الأكل، فكل طبقة ملسوقة تحكي حكاية عائلة، وكل وصفة تتغير حسب الزمن دون أن تفقد جوهرها، مما يجعل هذا الطبق أكثر من مجرد وجبة رمضانية، بل مرآة لذاكرة جماعية تحفظ طعم الانتماء وتعيد تعريف الهوية من خلال المذاق.

المصدر: العين الإخبارية

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار