الجمعة 1447/03/13هـ (05-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » مصر » مرئي » المعالم التاريخية » الأراجوز.. فن تراثي مصري يواجه خطر الاندثار

الأراجوز.. فن تراثي مصري يواجه خطر الاندثار

يمثل الأراجوز واحدًا من أعرق أشكال الفنون الشعبية في مصر، إذ يعود ظهوره إلى قرون مضت حين كان أداة للترفيه الشعبي في الشوارع والميادين، وتطور لاحقًا ليصبح مسرحًا مصغرًا نابضًا بالحياة والرمزية.

ويعتمد فن الأراجوز على دمية قفازية خشبية ذات رأس كبير ورداء أحمر، يحركها اللاعب بيده ببراعة، مستخدمًا صوته بطرق مميزة لإصدار أصوات متنوعة، الأمر الذي يجذب انتباه الجمهور ويؤسس حوارًا مباشرًا معهم، غالبًا ما يتناول قضاياهم الاجتماعية والسياسية بأسلوب ساخر وبسيط، هذا التفاعل الحي، بين الدمية والجمهور، منح الأراجوز مكانة فنية خاصة، جعلته جزءًا من الذاكرة الجمعية للمجتمع المصري، خصوصًا في أحياء القاهرة القديمة وفي المناسبات الشعبية.

الأراجوز.. فن مصري يقاوم الاندثار | القاهرة الاخبارية

حمل الأراجوز في عروضه مضمونًا يتجاوز التسلية، إذ كان وسيلة لتوصيل الرسائل النقدية، وبوابة للتعبير عن مواقف اجتماعية لا تجرؤ الأصوات الرسمية على البوح بها، وقد أصبح الأراجوز أداة شعبية تنبض بالحكمة، وتناقلته الأجيال شفهيًا دون تدوين، مما زاد من قيمته كفن غير مادي فريد.

ونتيجة لما يواجهه هذا الفن من خطر الاختفاء في ظل التحولات الثقافية وغياب الدعم المؤسسي، أدرجته منظمة اليونسكو في قائمتها للتراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى حماية عاجلة، مما يُعد خطوة مهمة نحو إعادة الاعتبار لهذا الموروث الثقافي، وحث الجهات الرسمية والمجتمعية على العمل لإنقاذه.

يحتفظ الأراجوز حتى اليوم بقدرته على الإلهام، إذ يستخدمه الفنانون المعاصرون في تقديم عروض مسرحية تفاعلية تعتمد على تقنيات هذا الفن التراثي، كما بدأت بعض المؤسسات في إدراجه ضمن فعاليات تعليمية وترفيهية للأطفال، لإحياء ذاكرته لدى الأجيال الجديدة.

وقد ساهم بعض فناني الأراجوز في إقامة ورش عمل لتعليم الشباب كيفية صناعة الدمى وتحريكها، وكذلك أساليب الأداء الصوتي المرتبطة بالشخصيات المختلفة التي يتضمنها العرض، مما يشكل نواة لاستدامة هذا الفن وإعادة إحيائه بأساليب حديثة.

روح السخرية المصرية ترابط بالأراجوز رغم تحديات العصر والسياسة | MEO

من جهة أخرى، بدأت بعض المهرجانات الثقافية المصرية في استضافة عروض الأراجوز ضمن برامجها، مما ساعد على إعادة هذا الفن إلى الضوء، وأتاح له فرصة لملاقاة جمهور جديد أكثر تنوعًا، كما أن هناك دعوات لتحويل الأراجوز إلى منتج ثقافي واقتصادي، من خلال دعم الصناعات اليدوية المرتبطة به، وتنظيم عروض متنقلة في المحافظات والمناطق الريفية، بما يضمن توفير مصدر دخل لفنانيه، ويجعل من الأراجوز وسيلة للترفيه الشعبي المستدام.

لا شك أن بقاء الأراجوز يعتمد على الجهود المؤسسية والمجتمعية لتوثيقه وتدريسه وتقديمه بأساليب تواكب العصر، من دون أن تُفقده روحه الشعبية الأصلية، فالأراجوز ليس مجرد دمية تتحرك في يد فنان، بل هو تعبير عن وجدان شعب، وسجل فني حيّ يعكس ملامح المجتمع المصري في بساطته وعمقه وتنوعه.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار