تشهد مدن السودان في كل عام مظاهر احتفالية واسعة بمناسبة المولد النبوي الشريف ، حيث يبدأ الأهالي في تنظيم الفعاليات والموكب قبل أسابيع من حلول الثاني عشر من ربيع الأول.
وتُعد هذه المناسبة إحدى أبرز المناسبات الدينية والاجتماعية التي تجمع مختلف فئات المجتمع السوداني حول طقوس متوارثة تحمل طابعاً دينياً وروحانياً وثقافياً ، وقد سجلت منظمة اليونسكو هذه الاحتفالات ضمن قائمتها للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية اعترافاً بقيمتها وفرادتها.
تتحرك مسيرة “زفة المولد” من أحد المساجد الكبيرة لتجوب الشوارع الرئيسية وصولاً إلى ساحة المولد ، ويشارك فيها مئات المواطنين من الرجال والنساء والأطفال ، ويردد المشاركون الأناشيد الدينية والمدائح النبوية ويرفعون الرايات ويضربون الدفوف في جو احتفالي يجمع بين الفرح والوقار ، وتُعد هذه الزفة من أبرز مظاهر الاحتفال التي تجسد وحدة الشعب السوداني وتماسكه عبر الطقوس الصوفية المتنوعة التي تتكرر في المناسبات الدينية.
تتميز احتفالات المولد في السودان بمزيج من الشعائر الدينية والمظاهر الشعبية التي تتكامل لتكوين مشهد احتفالي واسع النطاق ، حيث تُقام حلقات الذكر في الزوايا الصوفية ، وتُلقى الدروس الدينية في الساحات العامة ، وتُضاء الشموع في المساجد والبيوت .
كما تنتشر أكشاك بيع الحلوى والكتب الدينية والمطبوعات التي تتناول سيرة النبي محمد ، ويُشارك شيوخ الطرق الصوفية بدور رئيسي في تنظيم الفعاليات وإرشاد المريدين والتأكيد على معاني المحبة والتسامح.
ورغم ما يمر به السودان من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية خلال السنوات الأخيرة ، إلا أن السكان يصرون على الاحتفال بهذه المناسبة ولو بأبسط الإمكانيات ، حيث تراجعت أعداد الزوار في بعض المناطق وقلّ حجم التبرعات الموجهة للأنشطة العامة ، لكن ذلك لم يمنع من استمرار الجلسات الدينية والمواكب وإن كانت بحجم أصغر من الأعوام السابقة ، وهو ما يدل على تمسك السودانيين بتراثهم الديني والثقافي في مواجهة التحديات.
ويرى المهتمون بالتراث أن هذا الإصرار الشعبي على إحياء المولد النبوي يمثل دفاعاً عملياً عن الهوية الثقافية والدينية للسودان ، كما أن تسجيل هذه الاحتفالات في قائمة اليونسكو يمنحها دعماً رمزياً ومعنوياً يعزز من فرص حمايتها ونقلها إلى الأجيال الجديدة ، خاصة أن كثيراً من تفاصيل هذه الطقوس يتم تناقلها شفهياً دون توثيق رسمي مما يعرضها لخطر التلاشي في حال غاب حاملوها.
المصدر: الجزيرة نت
