يكشف موقع حفيت عند أقدام جبل حفيت في مدينة العين عن إرث إنساني ضارب في القدم، إذ يضم ما يقارب 500 قبر حجري دائري تعود إلى الفترة ما بين 3200 و3000 قبل الميلاد، وهو ما يُعرف بفترة حفيت في العصر البرونزي المبكر، ويُظهر هذا الموقع جوانب مهمة من حياة المجتمعات الأولى التي استوطنت المنطقة واعتمدت على مواردها الطبيعية لتأمين سبل العيش في بيئة صحراوية قاسية.
أُدرج موقع حفيت ضمن مواقع العين الثقافية المسجلة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2011، إلى جانب مواقع هيلي وبدع بنت سعود والواحات، الأمر الذي يعكس قيمته الاستثنائية على الصعيد العالمي، حيث يسهم في رسم صورة شاملة لتاريخ الإمارات وتطور الاستيطان البشري فيها عبر آلاف السنين، كما يؤكد مكانة العين كمركز ثقافي وأثري بارز.
تتميز القبور في منطقة حفيت بتصميمها الفريد الذي يشبه خلايا النحل، وقد شُيدت عند سفوح الجبل لتكون شاهدة على طقوس الدفن القديمة، كما تُبرز براعة السكان الأوائل في استخدام الحجر لبناء هياكل متينة ما زالت صامدة حتى اليوم، وهو ما يجذب الباحثين وعلماء الآثار الذين يرون فيها مصدرًا لفهم الحضارات المبكرة في شبه الجزيرة العربية.
إلى جانب المدافن، تحتوي المنطقة على مخيمات صحراوية تعود إلى الألفية الرابعة والثالثة قبل الميلاد، وتضم أكوامًا حجرية وبقايا أدوات، ما يوفر دلائل مهمة على طبيعة الحياة اليومية في تلك الفترات، ويعكس تطور أنماط الاستقرار البشري وقدرته على التكيف مع الظروف البيئية الصعبة، كما يُبرز الممارسات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات القديمة.
يمثل موقع حفيت شاهدًا على الازدهار الثقافي في الماضي، حيث احتفظ بآثاره الأصلية بدرجة عالية من الأصالة، مما يعزز فهم تاريخ المنطقة ويمنح الإمارات موقعًا متقدمًا على خارطة التراث العالمي، كما يساهم في إبراز قيمة الإرث الأثري في دعم الهوية الوطنية وتعزيز الوعي بتاريخ الأجداد.
ورغم قيمته التاريخية، يواجه الموقع تحديات كبيرة تتمثل في عوامل التعرية الطبيعية وظروف المناخ الصحراوي، وهو ما يستدعي جهودًا مستمرة من قبل المختصين في مجال الترميم للحفاظ على سلامة المدافن والهياكل الحجرية، وضمان بقائها صامدة للأجيال القادمة كجزء من ذاكرة الإنسانية.
يشكل الموقع اليوم وجهة سياحية وثقافية مهمة، إذ يجذب السياح وعشاق التاريخ ممن يرغبون في استكشاف المدافن الحجرية والاستمتاع بالمناظر الجبلية الخلابة التي يوفرها جبل حفيت، كما يقدم تجربة تعليمية غنية تربط الماضي بالحاضر وتُبرز أهمية التراث في تشكيل مستقبل المجتمعات.
وتظل حفيت رمزًا للإبداع البشري في العصور القديمة، ودليلًا على تفاعل الإنسان مع بيئته، كما تلهم الباحثين في دراسة جذور الحضارات الأولى في المنطقة، وتؤكد على مكانة الإمارات كواحدة من أهم الدول التي تمتلك إرثًا إنسانيًا عالميًا يستحق الحماية والاهتمام.
المصدر: اليونسكو