الخميس 1447/03/12هـ (04-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مرئي » المعالم التاريخية » منعة قلعة أثرية تكشف عن تاريخ الأوراس الممتد عبر العصور

منعة قلعة أثرية تكشف عن تاريخ الأوراس الممتد عبر العصور

تُعد مدينة منعة الواقعة بولاية باتنة من أبرز المواقع التاريخية في الجزائر، حيث تتوسط جبال الأوراس وتحتضن معالم أثرية عريقة، وقد جرى إدراجها ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو بما يعكس قيمتها التاريخية والثقافية، كما تُعرف المدينة بكونها ثالث أقدم مدينة في الولاية بعد تيمقاد ولамбسة.

تأسست منعة خلال القرن الثاني الميلادي في فترة الحكم الروماني، وشهدت على مر العصور تعاقب حضارات متعددة من الرومان والوندال والبيزنطيين وصولاً إلى الفتوحات الإسلامية ثم الحقبة العثمانية، وهذا التنوع الحضاري منحها طابعاً تاريخياً متفرداً، في حين تظل دشرتها القديمة شاهداً على استمرارية الاستيطان البشري عبر أجيال متعاقبة.

منعة بباتنة.. تاريخ مثير لقلعة ساحرة في حاجة إلى اهتمام – الشروق أونلاين

تتميز دشرة منعة بمعمارها التقليدي المبني من مواد محلية صامدة أمام تقلبات المناخ، حيث صُممت بطرق مبتكرة تضمن التهوية الطبيعية بما يحافظ على برودة البيوت صيفاً ودفئها شتاءً، وهو ما يعكس إبداع السكان الأوائل في التكيف مع البيئة الجبلية، كما أن هذا الطراز المعماري يضفي على الدشرة قيمة ثقافية إضافية.

ولم يكن الدور التاريخي لمنعة مقتصراً على الجانب العمراني، إذ لعبت موقعها الاستراتيجي دوراً عسكرياً بارزاً خاصة عندما تحصن بها القائد أحمد باي سنة 1839 عقب سقوط قسنطينة، حيث شكلت ملاذاً عسكرياً مهماً في مواجهة الاحتلال الفرنسي، مما عزز مكانتها في الذاكرة الوطنية الجزائرية.

ورغم هذه الأهمية، تواجه دشرة منعة اليوم تحديات كبرى تهدد معالمها الأثرية، حيث تتعرض جدرانها القديمة للتصدع بسبب العوامل الطبيعية كالرياح والأمطار، إضافة إلى نقص برامج الصيانة المستمرة، الأمر الذي يجعل الحفاظ عليها ضرورة قصوى لحماية تراث الأوراس من التدهور والزوال.

يسعى شباب المنطقة للقيام بمبادرات تطوعية تهدف إلى إحياء التراث المحلي، ومن أبرزها تظاهرة “ثافسوث” التي تُقام سنوياً للتعريف بالدشرة وتاريخها، وتعمل على إشراك المجتمع المحلي والزوار في التعرف على القيمة الثقافية للمكان، كما يسعى السكان إلى المطالبة بتصنيفها تراثاً وطنياً محمياً يتيح فرصاً أكبر لحمايتها وتطويرها.

السلطات المحلية تعمل بدورها على وضع خطط لتحويل منعة إلى وجهة سياحية مستدامة، حيث يجري التفكير في إنشاء مرافق استقبال وتوفير خدمات تلبي احتياجات الزوار، غير أن محدودية الإمكانيات المادية تشكل عائقاً أمام الإسراع في تنفيذ هذه المشاريع، مما يستدعي دعماً أوسع من الدولة والجهات المعنية بالتراث.

وتبقى منعة بما تحمله من آثار ومعالم شاهدة على حضارات متعاقبة مرآة حقيقية لتاريخ الأوراس، فهي تجسد تلاحم الماضي مع الحاضر وتمنح الزائر فرصة فريدة لاكتشاف أصالة المنطقة، كما أن زيارتها تفتح آفاقاً للتأمل في قدرة الإنسان القديم على البناء والإبداع، وتجعلها قبلة لعشاق التاريخ والتراث في الجزائر وخارجها.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار