سجّلت منظمة اليونسكو المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية في قائمة التراث العالمي عام 2024 ، بعد أن تأكدت من قيمته التاريخية وفرادته كواحد من أبرز مواقع الحضارة العربية قبل الإسلام ، ويقع الموقع في محافظة وادي الدواسر ويُعد عاصمة مملكة كندة القديمة التي لعبت دورًا محوريًا في التاريخ السياسي والثقافي للمنطقة.
تميّز الموقع بموقعه الاستراتيجي عند ملتقى طرق القوافل القديمة التي كانت تربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها وشرقها وغربها ، كما ارتبط بطريق الحرير القديم ما جعله محطة تجارية مهمة ساهمت في تبادل السلع والثقافات بين شعوب متعددة عبر العصور.
شكّل الموقع نقطة انطلاق لحضارة مملكة كندة التي اتخذت من الفاو عاصمة لها ، وأثبتت النقوش والمكتشفات الأثرية أنّها كانت مركزًا إداريًا واقتصاديًا واجتماعيًا متكاملًا ، واحتوت على أسواق ومباني وخزانات مياه وأنظمة زراعية تُبرز مهارة الإنسان في التكيّف مع بيئته.
ضمّت الفاو مجموعة غنية من الآثار التي تعود إلى فترات زمنية متباعدة ، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ وصولًا إلى العصور الإسلامية المبكرة ، ومن بين هذه الآثار ناطحة سحاب حجرية تُعد أول نموذج معروف لهذا الشكل المعماري الذي سبق حضارات لاحقة في الشرق والغرب.
أظهرت المكتشفات الأثرية في الفاو أدوات حجرية ونقوشًا صخرية ومبانٍ دائرية وهياكل مدفنية وواحات ، كما عثرت الفرق البحثية على نظام متكامل للري يعكس مدى التقدم في تقنيات الزراعة والحفاظ على الموارد الطبيعية في بيئة صحراوية.
مثّل إدراج الفاو ضمن قائمة التراث العالمي تتويجًا لجهود وطنية امتدت لسنوات ، إذ عملت هيئة التراث بالتعاون مع هيئات ومؤسسات أخرى على إعداد الملف وتوثيقه وفقًا لمتطلبات اليونسكو ، وجاء هذا الإنجاز ليعكس التزام المملكة بحماية إرثها الثقافي ضمن إطار رؤية المملكة 2030.
دعمت رؤية 2030 تسجيل الموقع ضمن خطة استراتيجية تهدف إلى إبراز الهوية الوطنية من خلال مواقع أثرية تحمل قيمة حضارية استثنائية ، كما تسعى إلى توسيع نطاق الوعي الشعبي تجاه التراث المحلي وتعزيز مفهوم الاعتزاز بالتاريخ المشترك بين الشعوب العربية.
جسّد موقع الفاو صورة حية للمدن العربية ما قبل الإسلام من خلال تنظيمها الداخلي وتفاعلها الحضاري وقدرتها على الصمود ، وأكد هذا الاكتشاف أن المنطقة لعبت دورًا تاريخيًا تجاوز حدود الجزيرة ليشمل تفاعلات أوسع مع محيطها الإقليمي والدولي.
المصدر: اليونسكو