تأسست قرية منجز على ضفاف نهر الكبير شمال لبنان، وتبعد نحو 130 كيلومتراً عن بيروت، وتجمع بين المعالم التاريخية والطبيعة الخلابة، وتبرز كوجهة سياحية تراثية وبيئية في الوقت نفسه، وتمنح الزائر فرصة للاطلاع على الحضارات القديمة التي تعاقبت على المنطقة.
ضمّت منجز معبدًا رومانيًا مخصصًا للإلهة نمسيس، وشُيد من حجر البازلت، ويعكس العمارة الهلنستية، وكان جزءًا من طريق قوافل قديم يربط الساحل الفينيقي بالمناطق الداخلية، ويؤكد أهمية الموقع كحلقة وصل بين الثقافات، ويتيح دراسة فنون البناء والتخطيط في العصور القديمة.
اكتشف الأب موريس تالون في ستينيات القرن الماضي 87 مقبرة ميغاليتية تعود للعصر النحاسي، وتتنوع أشكالها بين البيضاوية والمستطيلة، وتظهر براعة القدماء في تنظيم المدافن، كما توثق الدور الاجتماعي والديني لسكان المنطقة القدماء، ما يجعل منجز مرجعًا هامًا لدراسة التاريخ المبكر للبنان.

ضمّ بيت جعلوك، المعروف بمقام الرب، موقعًا أثريًا فريدًا داخل شجرة سنديان، ويُرجح أنه كان مخصصًا للإله أبولو، ويرمز للنسر، ويمنح الموقع طابعًا روحيًا مميزًا، ويعكس علاقة القدماء بالطبيعة واستخدامها في الطقوس الدينية، ويزيد من قيمة القرية الثقافية والتراثية.
أحاطت الطبيعة الخلابة بالقرية، حيث يمر نهر الكبير بضفافها، وتعزز غابة منجز التنوع البيولوجي بمئة نوع من النباتات، بينها 22 نوعًا خاصًا بشرق المتوسط، وتضم أنواعًا مهددة مثل Isoetes duriei Bory، كما تنتج الغابة منتجات حرجية كالزعتر والبابونج، ما يمنح القرية أهمية اقتصادية إلى جانب قيمتها البيئية والثقافية.
أظهرت قنوات زنوبيا، التي يصل ارتفاعها إلى خمسة أمتار، براعة الهندسة القديمة وربطت منجز بالتاريخ الفينيقي والروماني، وتعد دليلًا على القدرات التقنية والتخطيطية للحضارات القديمة، وتربط بين التراث الطبيعي والمعماري، وتبرز مستوى الإبداع والهندسة في العصور القديمة.
تضمنت قلعة الفيلسيوم، المبنية على نتوء صخري، تراثًا صليبيًا، واحتفظت ببقايا واجهات بازلتية وكنيسة قديمة، وتتشابه مع قلعة ملشين في جبل أكروم، ما يؤكد تتابع الحضارات في منجز ويعزز فهم البنية الدفاعية والمعمارية للمنطقة خلال العصور الوسطى، ويبرز دورها الاستراتيجي.
أدرجت منجز في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو منذ 2019، وتسعى الجهود المحلية للحفاظ على التراث العالمي، وتبرز النقوش الصخرية رموز الأفعى والطقوس القديمة، وتشبه مواقع في الأردن، ما يؤكد أهمية الموقع في دراسة المعتقدات الدينية القديمة ومكانته التاريخية والثقافية.
يُعتبر معبد منجز من أفضل حالات الحفظ مقارنة بمعابد سوريا القريبة، ويقارن بمعبد عرفة ومعبد عين دارة الروماني، ويتيح دراسة التقنيات المعمارية والهندسية القديمة، ويجمع الموقع بين آثار ما قبل التاريخ والعصور الوسطى، ويعزز مكانة لبنان على خارطة التراث العالمي كنموذج متكامل للتراث الثقافي والطبيعي.
المصدر: اليونسكو