الجمعة 1447/03/13هـ (05-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » مصر » مقياس النيل بالروضة يروي تاريخ إدارة فيضان النهر العظيم

مقياس النيل بالروضة يروي تاريخ إدارة فيضان النهر العظيم

يعود مقياس النيل بالروضة في القاهرة إلى عام 861 ميلادي عندما أمر الخليفة العباسي المتوكل بإنشائه لقياس منسوب مياه نهر النيل خلال مواسم الفيضان، وقد شُيد فوق جزيرة الروضة ليكون أداة دقيقة لمتابعة مستويات المياه التي مثلت عنصراً أساسياً في حياة المصريين، حيث ارتبطت وفرة المحاصيل الزراعية واستقرار المجتمع بارتفاع وانخفاض منسوب النهر، فجاء هذا المقياس ليؤدي دوراً محورياً في إدارة شؤون البلاد الاقتصادية والاجتماعية.

ويتميز المقياس بتصميم معماري هندسي متقن اعتمد على بئر حجرية مربعة الشكل تنزل بعمق في الأرض وتتصل بالنهر عبر قنوات تحت الأرض، ويحتوي في مركزه على عمود رخامي مدرج بعلامات قياس تحدد ارتفاع المياه بدقة، وكان الكهنة والموظفون المختصون يتابعون هذه القياسات لتحديد موعد الزراعة وتقدير حجم الضرائب الزراعية، إذ ارتبطت معيشة الناس ومستوى الخزينة العامة بنتائج تلك القراءات التي كان لها أثر مباشر على استقرار الدولة.

ويُعتبر المقياس واحداً من أقدم النظم الهيدرولوجية في العالم الإسلامي التي جمعت بين الهندسة والعلم والإدارة، حيث حافظ على وظيفته قروناً طويلة قبل ظهور الوسائل الحديثة، ويكشف عن مدى وعي الحكام والمسؤولين في تلك الفترة بأهمية المياه كعنصر استراتيجي، كما يعكس الدور المركزي لنهر النيل في صياغة هوية مصر وحياتها الاقتصادية منذ أقدم العصور.

مقياس النيل بالروضة - ويكيبيديا

ويُدرج الموقع اليوم في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت الاسم الرسمي “مقياس النيل بالروضة – القاهرة”، وهو ما يبرز قيمته العالمية ويدفع نحو حمايته وصيانته كجزء من التراث الثقافي والإنساني، إذ ينظر إليه كمثال على التفاعل بين الإنسان والطبيعة من خلال ابتكار أدوات دقيقة للتكيف مع موارد البيئة، وهو ما يمنحه بعداً حضارياً يتجاوز الحدود الجغرافية.

ويُشير الباحثون إلى أن المقياس لم يكن مجرد أداة عملية بل اكتسب أيضاً بعداً روحياً، حيث ارتبطت مراسم إعلان نتائج القياس بالاحتفالات الشعبية والدينية التي كانت تعلن بداية موسم الفيضان، كما تحول إلى رمز يعكس العلاقة الوثيقة بين المصريين والنهر الذي شكل مصدر حياتهم على مر العصور، مما جعل هذا المعلم جزءاً من الذاكرة الجمعية للمجتمع.

ويستقطب المقياس حالياً اهتمام الزوار والدارسين الذين يقصدون جزيرة الروضة للتعرف على هذا الصرح التاريخي الذي يجمع بين العلم والعمارة والتراث، إذ يقف شامخاً وسط القاهرة الحديثة ليؤكد استمرارية العلاقة الأزلية بين مصر ونهر النيل، كما يشكل شاهداً حياً على تطور الفكر الإداري والهندسي في الحضارة الإسلامية، وهو ما يجعله أحد المعالم البارزة التي تعكس عمق التاريخ المصري.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار