تُمثل مقصورة الراجحي في محافظة البكيرية بمنطقة القصيم بالسعودية معلماً أثرياً فريداً، حيث يعود تاريخ بنائها إلى عام 1190 هـ، وتُعد شاهداً مادياً على مسيرة الجد ناصر بن راجح بن حمد، الذي ينتمي إليه نسب أسرة الراجحي، والذي كان من أوائل الوافدين والمستقرين في البكيرية، وتُجسد المقصورة أول الأثر المادي الباقي الذي يُخلد مسيرة استقراره وتاريخه الطويل في المنطقة.
تَقع المقصورة في قلب محافظة البكيرية، وقد تم الحرص على الحفاظ عليها والعناية بها لتظل معلماً بارزاً ورمزاً للتراث المعماري والتاريخي، وتؤكد هذه الجهود أهمية دمج مثل هذه المواقع في النسيج التاريخي والثقافي للمحافظة، وتخضع المقصورة اليوم لمراحل تطوير وتنشيط مستمرة، لضمان أن تأخذ شكلها وحجمها اللائقين ضمن التركيبة التراثية للمنطقة.
بُنيت المقصورة على الطراز النجدي القديم، وتتميز بشكلها المربع وببرج واحد، مع جدران سميكة للغاية، مما يدل على أنها لم تُشيد للسكن فحسب، بل كانت حصناً متكاملاً، وقد تم تصميمها لتكون مجهزة بكل مستلزمات الحياة اليومية الضرورية، بالإضافة إلى مستودعات مخصصة لتخزين المؤن والاحتياجات الأساسية التي تكفي لفترات طويلة.
تَتألف المقصورة من دورين رئيسيين يتبادلان الوظائف، حيث يضم الدور الأول أماكن مخصصة لاستقبال الضيافة ومخازن الطعام والمؤن، في حين خُصص الدور الثاني ليكون السكن الخاص بالعائلة، ويُظهر هذا البناء أسلوب العمارة الحربية والدفاعية، من خلال الارتفاع العالي للجدران، ومنافذ الري، وأماكن الاستكشاف والمراقبة التي كانت ضرورية للحماية.
يَستقبل القادم من بعيد المنارة الشامخة لمسجد الراجحي، التي شُيدت بطراز نجدي فريد وبنقوش داخلية جميلة، ويضم المسجد قسمين رئيسيين هما السرحة المفتوحة، التي تُستخدم لإقامة الصلاة في الأجواء المعتدلة، والقسم الداخلي الذي يحتوي على فتحات مثلثة في الجدران، لتوفير التهوية والتبريد الطبيعي في الأجواء الحارة.
يَحتوي المسجد أيضاً على خلوة شتوية صغيرة ومغلقة، تُقام فيها الصلوات خلال فترات اشتداد البرد والأمطار، بالإضافة إلى قسم “فتوح” يحتوي على سقف وجدران مفتوحة جزئياً لدخول الهواء الطلق، مما يجعله مثالاً للعمارة الإسلامية التي تتكيف مع مختلف الظروف المناخية للمنطقة.
كان البدء بحفر البئر هو أول الأعمال التي قام بها ناصر الراجحي بعد استقراره، ويُعرف هذا البئر باسم “القليب”، وبعد الوصول إلى الماء تم رصف جدرانه، وإقامة السواني التي صُنعت عليها الغروب لجلب المياه من أعماقه، واشتهر هذا البئر بأنه كان الأكبر في البكيرية حينها، حيث كان يسنى عليه أحد عشر غرباً، مما جعله مصدراً حيوياً للمياه في المحافظة.
شُيد مجلس القهوة عقب الانتهاء من بناء المقصورة، وهو يمثل مجلس العائلة ومكان استقبال الضيوف والزوار، ويتميز المجلس بالنقوش التي دونها ناصر الراجحي في حضور أبنائه ورفقائه، ويشتمل المجلس على عناصر تقليدية مهمة مثل الوجار والكمار والسماوة، التي كانت جزءاً من ثقافة الضيافة النجدية الأصيلة.
تَنقسم مقصورة الراجحي إلى أقسام متعددة، تشمل الباحة الخارجية والمضافة وغرف المعيشة والمؤونة، بالإضافة إلى غرفة مخصصة لتخزين التمور، ويتضمن المنزل مدخلاً شرقياً يؤدي إلى درج صعود للطابق الثاني، وموزعاً بين الغرف، وساحة شمالية وحرم مسجد مسقوف، والمئذنة والموضئ والبئر، لتظل هذه المقصورة سجلاً حياً للتراث العمراني في القصيم.
المصدر: هيئة التراث