يشهد تاريخ مصر على عظمة إنجاز معماري فريد ارتبط بمعابد أبو سمبل التي شيدها الملك رمسيس الثاني في قلب النوبة خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد، فقد بدأ العمل في تشييدها عام 1264 قبل الميلاد واستمر حتى عام 1244 قبل الميلاد، ويقف هذا الموقع شاهداً على مهارة المصريين القدماء في فنون النحت في الصخر والتخطيط العمراني المرتبط بالمعتقدات الدينية والسياسية، إذ يجمع بين رمزية القوة الملكية وقدسية الآلهة التي كانت محور الحياة المصرية القديمة.
يمثل مجمع أبو سمبل واحداً من أبرز المواقع الأثرية في مصر والعالم، إذ يضم معبدين ضخمين نحتا في الصخر على الضفة الغربية لبحيرة ناصر جنوب أسوان، حيث خصص المعبد الأكبر لعبادة الملك رمسيس الثاني وآلهة كبرى مثل رع حور آختي وآمون رع، بينما كرس المعبد الأصغر للملكة نفرتاري التي كانت مكانتها بارزة في حياة الملك، وتظهر الجدران الداخلية نقوشاً دقيقة تسجل الانتصارات العسكرية لرمسيس الثاني خاصة معركة قادش، مما يضيف بعداً تاريخياً وعسكرياً لقيمة المعبد.
يتميز الموقع بظاهرة فلكية نادرة جعلته محط أنظار الباحثين والزائرين، إذ تتعامد أشعة الشمس مرتين سنوياً على وجه الملك رمسيس الثاني داخل قدس الأقداس، الأولى في 22 فبراير والثانية في 22 أكتوبر، وهو ما يعكس الدقة الهندسية التي اعتمدها المصريون القدماء في تحديد اتجاهات البناء وربطها بدورة الفصول والزراعة، الأمر الذي يبرز مدى ارتباط المعابد بعلم الفلك وتنظيم الحياة اليومية.
تعرض الموقع لخطر الغرق بعد قرار بناء السد العالي في أسوان، الأمر الذي دفع منظمة اليونسكو إلى إطلاق حملة إنقاذ دولية عام 1960 بمشاركة أكثر من 50 دولة، حيث جرت عملية معقدة لتفكيك المعبدين إلى كتل حجرية ضخمة بلغ وزن بعضها عشرات الأطنان، ثم أعيد تركيبها في موقع جديد يبعد 64 متراً عن مكانها الأصلي وعلى ارتفاع أعلى بنحو 210 أقدام، واستمرت العملية حتى عام 1968 لتصبح واحدة من أنجح عمليات إنقاذ التراث في القرن العشرين.
تم إدراج معابد أبو سمبل ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1979 باعتبارها جزءاً من معالم النوبة من أبو سمبل إلى فيلة، وأصبحت رمزاً للتعاون الدولي في حماية الآثار، إضافة إلى مكانتها السياحية والثقافية التي تجذب مئات الآلاف من الزوار سنوياً، حيث يأتون لمشاهدة عظمة النحت في الصخر وظاهرة تعامد الشمس التي أصبحت مهرجاناً سنوياً في أسوان.
تظل معابد أبو سمبل مثالاً حياً على عظمة التراث المصري، فهي لم تقتصر على كونها معابد دينية فحسب، بل مثلت سجلاً فنياً وسياسياً وعلمياً تركه المصري القديم ليبقى شاهداً على تطور حضارته، كما أن عملية إنقاذها التاريخية أكدت قدرة العالم على توحيد جهوده للحفاظ على ما يمثل هوية إنسانية مشتركة تتجاوز الحدود الزمنية والجغرافية.
المصدر: اليونسكو