ساهمت مصر القديمة في تشكيل المسار التاريخي للأبجديات التي يستخدمها العالم اليوم، حيث انحدرت غالبية نظم الكتابة الحديثة من أبجدية واحدة نشأت في مصر تعرف بالأبجدية السينائية الأولية، والتي استمدت جذورها من الكتابة الهيروغليفية التي استخدمها المصريون القدماء في النقوش والوثائق، ويُعتبر هذا التطور أحد أهم التحولات الثقافية في تاريخ البشرية، إذ أتاح للأمم لاحقًا تطوير لغاتها المكتوبة انطلاقًا من نموذج واضح ومحدد للرموز والصوتيات.
أدت هذه الأبجدية الأولى دورًا مركزيًا في انتقال الكتابة من الطابع التصويري الرمزي إلى الطابع الصوتي المبني على الحروف، حيث تمكّن مستخدموها من التعبير عن أفكارهم بطريقة أكثر اختصارًا ومرونة، ومع انتشار الأبجدية السينائية الأولية في محيط شبه جزيرة سيناء ومنها إلى بلاد الشام، ظهرت الأبجدية الفينيقية التي عُرفت بانتشارها السريع وقدرتها على التكيّف مع لغات متعددة، مما جعلها مصدرًا للأبجيات اللاحقة في حوض البحر المتوسط.
أسهمت الأبجدية الفينيقية في ولادة عدة نظم كتابية مهمة، أبرزها الأبجدية اليونانية التي أضافت الحروف الصوتية الطويلة، ومنها تطورت الأبجدية اللاتينية التي أصبحت لاحقًا أداة الكتابة الرئيسية في الإمبراطورية الرومانية، ومع اتساع سيطرة روما، انتشرت الأبجدية اللاتينية في أنحاء أوروبا، وتحولت تدريجيًا إلى النموذج المعياري المستخدم في اللغات الأوروبية المعاصرة مثل الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والألمانية.
في المقابل، ظهرت من رحم الأبجدية الفينيقية أيضًا أبجديات أخرى أثّرت في المشهد اللغوي للشرق الأدنى، مثل الأبجدية الآرامية التي استُخدمت في الإمبراطوريات الكبرى، وتفرّعت منها الأبجدية العبرية التي تطورت في النصوص الدينية، والأبجدية النبطية التي مهدت الطريق أمام الكتابة العربية، وقد حافظت الأخيرة على طابعها المميز وساهمت في نقل المعرفة خلال عصور النهضة الإسلامية.
المصدر: ويكيبيديا