يقع مسجد عمر بن الخطاب في قلب البلدة القديمة بالقدس، وتحديداً في الفناء الجنوبي لكنيسة القيامة داخل حارة النصارى، ويُعد واحداً من أهم المعالم الدينية التي تجمع بين الرمزية الإسلامية والمكانة التاريخية للمدينة، فقد شُيّد المسجد بصورته الحالية عام 1193 ميلادية على يد الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي، تخليداً للمكان الذي صلى فيه الخليفة عمر بن الخطاب عند دخوله إلى القدس بعد الفتح الإسلامي.
يحمل المسجد دلالات تاريخية عميقة تعكس قيم التسامح والتعايش بين الأديان، حيث ارتبط بنزول الخليفة عمر عند تسلّمه مفاتيح المدينة من بطريرك القدس صفرونيوس، وقد اختار الصلاة خارج كنيسة القيامة حفاظاً على قدسيتها المسيحية، وهو الموقف الذي ظل رمزاً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين عبر القرون، كما بقي المسجد شاهداً حياً على تلك اللحظة التاريخية التي حددت ملامح العلاقة بين الطوائف الدينية في القدس.
من الناحية المعمارية، يتميز مسجد عمر بن الخطاب ببساطته وانسجامه مع الطابع العمراني للبلدة القديمة، حيث يضم قاعة صلاة صغيرة ذات محراب وقبة، وتزين جدرانه نقوش وزخارف عربية إسلامية تعود لفترات مختلفة، وقد خضع عبر الزمن لعمليات ترميم للحفاظ على مكوناته الأصلية، مما جعله محافظاً على هويته التاريخية رغم التغيرات التي شهدتها المدينة.
أُدرج المسجد عام 1981 على قائمة التراث العالمي لليونسكو ضمن مدينة القدس القديمة وأسوارها، وهو اعتراف بالقيمة العالمية للموقع الذي يمثل جزءاً من النسيج العمراني والديني للمدينة، حيث يتكامل مع شبكة من المعالم المقدسة التي تضم الحرم القدسي الشريف وكنيسة القيامة، ليشكل معاً مركزاً روحياً وإنسانياً فريداً.
اليوم يقصد المسجد عدد من الزوار من مختلف أنحاء العالم، سواء لأداء الصلاة أو للاطلاع على مكانته التاريخية المرتبطة باسم الخليفة عمر بن الخطاب، ويُعد جزءاً من المسار السياحي والديني في البلدة القديمة، كما يكتسب أهمية متزايدة في ظل ما تمثله القدس من رمز عالمي للتعايش، وهو ما يجعله موقعاً مفتوحاً أمام الدراسات التاريخية والبحوث الأكاديمية.
بهذا يظل مسجد عمر بن الخطاب أكثر من مجرد معلم ديني، فهو شاهد على تاريخ طويل من التعايش، وركيزة في هوية القدس التي جمعت على مر العصور أدياناً وثقافات متعددة، وما زال يذكر الأجيال بقيم التسامح التي أرساها الفتح الإسلامي للمدينة.
المصدر: اليونسكو