يواصل مسجد ثريا الواقع في قلب منطقة الكرخ ببغداد حضوره الديني والمعماري منذ تأسيسه في عهد الدولة العثمانية، حيث بقي واحداً من المساجد التراثية التي تحتفظ بطابعها التاريخي.
ويقع المسجد داخل سوق حمادة، وهو من أبرز معالم المنطقة وأكثرها شهرة، ويرتبط في ذاكرة سكان العاصمة كمكان للعبادة وفضاء تراثي يعكس الطراز الإسلامي في البناء والزخرفة.
شهد المسجد عملية تجديد في النصف الثاني من القرن العشرين، حين تولى الرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف إعادة إعماره ضمن خطة حكومية استهدفت ترميم عدد من المساجد القديمة، وشمل الترميم تعزيز البنية الإنشائية وتوسيع المصلى وتحديث بعض المرافق.
تبلغ المساحة الكلية للمسجد نحو 1000 متر مربع، ويضم مصلى يتسع لأكثر من 300 مصل، كما يضم منارة شُيدت بالطابوق وتمت زخرفتها بالكاشي الكربلائي الملون، وهي من أبرز ملامح المسجد، وتُعد نموذجاً واضحاً على العمارة الإسلامية التقليدية.
احتفظ المسجد بأصالته المعمارية رغم مرور الزمن، ويحتوي على حديقة داخلية وساحة صغيرة ومرافق خدمية تجعل منه مكاناً متكاملاً من الناحية الوظيفية والدينية، كما تستمر فيه إقامة صلاة الجمعة والصلوات اليومية، ويتبع حالياً إلى ديوان الوقف السني الذي يشرف على صيانته وإدارته، ويؤكد القائمون على المسجد أن حالة البناء جيدة ومضبوطة وتخضع للفحص الدوري لضمان استمرارية وظيفته الروحية وخدمته المجتمعية.
يتميز المسجد بموقعه الحيوي وسط منطقة تجارية قديمة، مما يجعله نقطة التقاء يومي بين المصلين والزوار والتجار والطلبة، ويعزز من حضوره في الحياة العامة، كما يشكل رمزاً لتاريخ الكرخ، ويعكس جزءاً من الهوية المعمارية للعاصمة التي ظلت تتطور دون أن تفرّط بأصولها التاريخية.
تعكس زخارف المسجد الداخلية والبنية الطوبية القديمة مزيجاً بين البساطة في التصميم والدقة في التنفيذ، وهو ما يظهر بوضوح في المئذنة المزينة التي لا تزال تحتفظ برونقها منذ عقود، كما أن المسجد ظل طوال تاريخه مقصداً لأهل المنطقة في المناسبات الدينية وشهر رمضان والجمعة، ويرتبط اسمه بأجيال تعاقبت على الحي واختزنت ذكرياتها داخله.
تُعد مثل هذه المساجد القديمة مرجعاً بصرياً ووجدانياً في بغداد، وتكشف عن عمق الحضور الإسلامي في تخطيط المدن وتوزيع الوظائف بين العبادة والخدمة والتعليم.
مسجد ثريا يمثّل في ذلك نموذجاً مصغراً عن المساجد التي نشأت في مراحل الدولة العثمانية ثم تطورت لتكون جزءاً من نسيج الحياة اليومية في العراق الحديث.
المصدر: ويكيبيديا