يبرز مسجد عثمان كتخدا المعروف أيضاً باسم مسجد الكيخيا كأحد المعالم البارزة التي تعكس تأثير الطراز العثماني في قلب العاصمة المصرية القاهرة، فقد شُيد هذا المسجد عام 1734 م على يد الأمير عثمان كتخدا الذي كان من كبار أمراء المماليك في تلك الحقبة، وهو ما يجعله شاهداً على مرحلة مهمة من تاريخ مصر التي جمعت بين النفوذ العثماني واستمرار دور المماليك في الحياة السياسية والمعمارية.
يتميز المسجد بطرازه المعماري الفريد الذي يجمع بين ملامح العمارة العثمانية وعناصر من الأسلوب المملوكي المتأخر، حيث يضم قبة أنيقة ترتفع فوق بيت الصلاة، وتزين جدرانه الداخلية زخارف نباتية وهندسية دقيقة، بينما تضفي المئذنة الرفيعة ذات الطابع العثماني مظهراً مميزاً على المشهد العمراني المحيط به، ويكشف هذا التنوع الفني عن التمازج الثقافي الذي ساد في القاهرة خلال القرن الثامن عشر.
لعب المسجد منذ تأسيسه دوراً محورياً في الحياة الدينية والاجتماعية لسكان المنطقة، فقد كان مقصداً لأداء الصلوات اليومية والجمعة، كما احتضن حلقات تعليمية ولقاءات اجتماعية عززت من دوره كمركز روحي وثقافي في محيطه، وأسهم في الحفاظ على تماسك المجتمع المحلي عبر توفير مساحة للتواصل والتفاعل بين أفراده.
تم إدراج مسجد عثمان كتخدا عام 1979 في قائمة التراث العالمي لليونسكو كجزء من القاهرة الإسلامية التي تضم مجموعة واسعة من المساجد والمدارس والأبنية التاريخية، ويؤكد هذا الإدراج العالمي على الأهمية الفائقة للمسجد باعتباره جزءاً لا يتجزأ من التراث الإنساني، ويمنحه حماية دولية تسهم في الحفاظ عليه وترميمه للأجيال القادمة.
شهد المسجد خلال تاريخه محاولات متعددة للحفاظ على بنيانه وزخارفه، فقد أجريت له أعمال ترميم وصيانة لإعادة رونقه الأصلي بعد أن تعرض لبعض مظاهر التدهور بفعل الزمن، وأسهمت هذه الجهود في إبراز جمالياته المعمارية التي جعلت منه واحداً من النماذج البارزة للعمارة الدينية العثمانية في مصر، كما ساعدت على استمراره كمعلم أثري مفتوح للزائرين.
يحظى المسجد اليوم باهتمام خاص من الباحثين والمهتمين بدراسة العمارة الإسلامية، حيث يمثل نموذجاً يعكس فترة انتقالية في تاريخ الفن المعماري بالقاهرة، كما يلقى إقبالاً من الزوار والسائحين الذين يقصدون القاهرة الإسلامية لاكتشاف معالمها التاريخية المتنوعة، ويعزز وجوده من مكانة العاصمة كواحدة من أهم المدن التراثية على مستوى العالم.
يعكس مسجد عثمان كتخدا بما يحمله من قيمة تاريخية ومعمارية مميزة جزءاً مهماً من هوية القاهرة الإسلامية، ويؤكد إدراجه ضمن التراث العالمي التزام مصر بالحفاظ على إرثها الحضاري الذي يشكل جسراً للتواصل بين الماضي والحاضر، ويمنح العالم فرصة للاطلاع على أحد أبرز الشواهد التاريخية التي تجسد عظمة العمارة الإسلامية في القرون الأخيرة.
المصدر: ويكيبيديا