مسجد الكوفة التاريخي مركز ديني عريق منذ فجر الإسلام
يمثل مسجد الكوفة المعظم أحد أبرز المعالم الدينية في العراق، وقد اكتسب مكانة مرموقة لدى المسلمين عامة والشيعة خاصة، إذ يُعد رابع المساجد أهمية بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، ويعود تاريخه إلى مراحل مبكرة من حياة البشرية، حيث تفيد روايات بأن نبي الله آدم هو أول من وضع أساسه، ثم أعاد بناؤه نبي الله نوح بعد الطوفان، وتوالت عليه مراحل إعادة التعمير، إلى أن بدأ المسلمون باستخدامه فعليًا سنة 17 هـ عند تأسيس مدينة الكوفة بقيادة سعد بن أبي وقاص، وباقتراح من سلمان الفارسي.
شهد المسجد حضور العديد من الأنبياء والأئمة، وكان محطة دينية وتاريخية مهمة خاصة في عهد الإمام علي بن أبي طالب، الذي اتخذ من الكوفة عاصمة للخلافة، وألقى من على منبر المسجد عددًا من خطبه المشهورة، كما مارس الحكم والقضاء فيه، قبل أن يُستشهد داخله على يد أحد الخوارج عام 40 هـ.
ويمتد تأثير المسجد إلى محيطه، حيث يقع بجواره بيت الإمام علي ودار الخلافة وعدد من المراقد الهامة مثل مرقد الصحابي ميثم التمار، ومسلم بن عقيل، والمختار الثقفي، وهانئ بن عروة.
يحتوي المسجد على عدة مقامات منسوبة للأنبياء، وترتبط به أعمال عبادية خاصة واردة في كتب الأدعية والزيارات، كما تشير بعض الروايات إلى أن الكوفة ستكون مقرًا لحكومة الإمام المهدي في آخر الزمان، وأن المسجد سيكون مركز القيادة المنتظر، وبهذا يصبح الموقع شاهدًا حيًا على تراث ديني وروحي متواصل عبر العصور، يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
تقع الكوفة في محافظة النجف وتجاور مدينة النجف حاليًا من الجهة الغربية، حيث يفصل بينهما بضعة كيلومترات، ويجري شرقها نهر الفرات، ما أكسبها مناخًا معتدلًا وأرضًا خصبة صالحة للزراعة، ويمتاز الموقع المحاذي للنهر باسم شط الكوفة.
وقد كانت المدينة تُعرف قديمًا باسم سورستان، إلى أن تحولت إلى مركز إسلامي بارز بعد أن اختارها سعد بن أبي وقاص بأمر من الخليفة الثاني لتكون مقرًا لجند المسلمين.
يبلغ طول المسجد 110 أمتار، وعرضه 101 متر، وتصل مساحته إلى 11162 مترًا مربعًا، منها 5642 مترًا مخصصة لصحن المسجد، و5520 مترًا لحجراته الداخلية، ويضم المسجد 187 عمودًا حجريًا، بالإضافة إلى أربع منارات بارتفاع 30 مترًا لكل منها، وخمسة أبواب تحمل أسماء مثل باب الحجة وباب الرحمة وباب مسلم بن عقيل.
يروي الإمام جعفر الصادق أن مسجد الكوفة هو الموضع الذي بنى فيه نوح سفينته، ما يعزز القناعة بأن المكان له جذور متجذرة في التاريخ الإنساني والديني منذ آلاف السنين.
وأكد ابن الأثير أن الكوفة تم تخطيطها سنة 17 هـ، وكان أول ما أنشئ فيها هو المسجد، حيث أُقيم بناءه باستخدام أساطين رخام جلبها المسلمون من آثار الأكاسرة في الحيرة، كما تم حفر خندق حوله لحمايته من التعديات.
تؤكد الروايات والوقائع أن مسجد الكوفة لم يكن مجرد موقع عبادة بل كان مركزًا للقرار السياسي، وميدانًا للقضاء والعلم والاجتماع، مما جعله أحد المعالم التي تختزل تاريخ العراق الإسلامي منذ فجر الدعوة وحتى يومنا هذا.
المصدر: جامعة الشيخ الطوسي