شهدت منطقة جِبلة، أو كما تُعرف محليًا بـ”قِبلة”، في العاصمة الكويت، تأسيس أحد أقدم المساجد التي لا تزال حاضرة في الذاكرة العمرانية والدينية للمدينة، وهو مسجد العثمان، الذي أنشأه عبد العزيز بن عثمان العثمان عام 1325 هجريًا، الموافق لعام 1907 ميلاديًا.
وقد جاء تأسيس المسجد في وقت كانت فيه الكويت تشهد بدايات تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وكان للمساجد حينها دور يتجاوز إقامة الصلوات إلى كونها مراكز إشعاع ديني وتعليمي، تجمع المصلين وتؤسس للهوية الدينية للمجتمع المحلي.
ومع مرور الزمن وتغير ملامح المدينة، تعرّض المسجد للاندثار الجزئي، ما استدعى إعادة بنائه في عام 1372 هجريًا، الموافق لعام 1953 ميلاديًا، على يد عدد من أبناء الأسرة الكريمة، منهم عبد الوهاب العثمان وعبد اللطيف بن سليمان العثمان، وأحمد محمد الغانم، وذلك بالتعاون مع دائرة الأوقاف العامة، التي ساهمت بدورها في عملية الترميم والتوسعة.
وتُشير بعض المصادر إلى أن إعادة البناء تمت فعليًا في 19 من ذي القعدة سنة 1371 هـ، الموافق 9 أغسطس 1952م، ما يعكس الاهتمام المبكر بالحفاظ على هوية المسجد واستمراريته كمَعْلم ديني مهم في منطقة حيوية من العاصمة.
وفي أعقاب حرب التحرير التي شهدتها البلاد عام 1991، بادر أحفاد عبد الوهاب العثمان إلى إعادة تشييد المسجد من جديد في موقع قريب من مكانه الأصلي، حيث أُقيم على الطرف الشمالي من مبنى مجلس الأمة، المطل على ساحل البحر.
وقد حمل المسجد في شكله الجديد اسم المؤسس الأول “عبد العزيز العثمان”، تكريمًا له واستذكارًا لدوره في بناء هذا البيت من بيوت الله، ليبقى المسجد شاهدًا على تعاقب الأجيال من آل العثمان في الحفاظ على ما تركه أجدادهم من معالم دينية وإنسانية.
ويعكس هذا الاهتمام المستمر بمسجد العثمان مكانته الراسخة في الوجدان الكويتي، إذ لم يكن مجرد مبنى للصلاة، بل كان ولا يزال رمزًا للتكافل المجتمعي والتواصل بين ماضي الكويت وحاضرها، كما أنه يمثل نموذجًا للعمارة الإسلامية المحلية التي امتزجت فيها عناصر البساطة والوظيفة، دون التخلي عن الجماليات والزخرفة الرمزية التي كانت سائدة في أوائل القرن العشرين.
وما زال المسجد حتى اليوم يؤدي دوره في خدمة المصلين والزوار، في ظل موقعه البارز المطل على البحر، مستفيدًا من كونه أحد المساجد التراثية التي تلقى عناية خاصة من الجهات المختصة، بما يضمن له الاستمرار كمَعْلم ديني وثقافي يمثل امتدادًا لتاريخ طويل من العطاء والبناء.
المصدر: المستودع الدعوي الرقمي