السبت 1447/02/15هـ (09-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » البحرين » مرئي » المعالم التاريخية » مسجد الخميس في البحرين شاهد حي على عمق التاريخ

مسجد الخميس في البحرين شاهد حي على عمق التاريخ

يُعد مسجد الخميس واحدًا من أقدم المعالم الإسلامية في مملكة البحرين، ويُعتقد أنه أول مسجد أُنشئ على أرض الجزيرة، حيث يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 692 ميلادية في عهد الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز.

ويقع المسجد في منطقة الخميس بمحافظة العاصمة، وقد اكتسب اسمه من اسم المنطقة المحيطة به، ويُعتبر رمزًا متجذرًا في الذاكرة الدينية والثقافية، ودليلًا صريحًا على الدور المبكر للبحرين في احتضان الحضارة الإسلامية منذ بواكير العصور.

تميز هذا الصرح الديني بهندسته المعمارية الفريدة، التي تعكس أصالة البناء الإسلامي في مراحله الأولى، إذ بُني المسجد بالحجارة المرجانية والجص الجيري، وتم الاعتماد في تصميمه على النمط التقليدي البسيط الذي يميز المساجد الإسلامية الأولى.

وقد أُعيد ترميمه على مدار تاريخه الطويل في فترتين أساسيتين، كانت أولاهما خلال القرن الرابع عشر الميلادي، والثانية في القرن الخامس عشر، وقد أُضيفت إليه في تلك الفترات مئذنتان حجريتان قائمتان حتى اليوم، تشكلان أحد أبرز معالمه البصرية، وتُعتبران من أقدم المآذن في الخليج العربي.

ويتوسط المسجد محراب تاريخي بُني من الحجر الجيري، ويمثل هذا المحراب قلب المسجد ومركزه الروحي، وقد اكتُشف خلال أعمال الترميم لوح حجري يُعتقد أنه أُنشئ في القرن الثاني عشر، ويضم نقوشًا قرآنية عميقة المعنى، هي الآيتان 34 و35 من سورة الأنبياء: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ و﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾، وهي آيات غالبًا ما تُستخدم في النقوش التي تخلد الذاكرة والموت، مما يعكس عمق البعد الروحي للمكان.

ويُغطي مسجد الخميس مساحة تُقدّر بـ445.8 مترًا مربعًا، وهو لا يزال يشكل أحد المعالم التراثية البارزة التي تقصدها وفود الزوار والسياح والباحثين عن الجمال المعماري الإسلامي.

ولا تقتصر أهمية المسجد على بعده الديني فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى اعتباره معلمًا أثريًا يوثق مراحل تطور العمارة الإسلامية في المنطقة الخليجية عبر القرون.

وقد أولت مملكة البحرين اهتمامًا متزايدًا بالموقع، حيث أطلقت هيئة الثقافة والآثار عدة حملات ترميم وصيانة تهدف إلى الحفاظ على المسجد من عوامل التعرية الزمنية والتغيرات المناخية، وخصوصًا بعد ما أظهرته بعض الدراسات الهندسية من حاجته إلى تدعيم إنشائي عاجل للحفاظ على أجزائه الأصلية المتبقية.

ويُعد المسجد شاهدًا حيًا على مكانة البحرين كمحطة رئيسية في التاريخ الإسلامي المبكر، فقد كانت المملكة منذ القدم معبرًا مهمًا للحضارات والثقافات، وموطنًا لعدد من الصحابة والتابعين الذين نشروا العلم والدعوة في أرجاء المنطقة.

ومع مرور الزمن، ظل مسجد الخميس نقطة محورية في الحياة الدينية للمجتمع البحريني، وتوارثت أجيال متعددة حكاياته، ما جعله أكثر من مجرد بناء حجري، بل رمزًا لتاريخ طويل من الإيمان والعلم والتفاعل الحضاري.

ولا تزال البعثات الأثرية والمؤرخون يولون هذا المسجد اهتمامًا بالغًا، لما له من قيمة توثيقية وتراثية، حيث يُستخدم كنموذج دراسي لفهم تطورات فن العمارة الإسلامية في الخليج، كما يمثل محطة مهمة ضمن خريطة السياحة الثقافية في البحرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار