يُعد مسجد الخليفة واحدًا من أقدم وأبرز المساجد التراثية في الكويت، حيث يرجع تاريخ تأسيسه إلى عام 1226 هجريًا، الموافق 1811 ميلاديًا، بحسب ما تشير إليه مصادر دائرة الأوقاف العامة، وقد أسسته عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين بعد رحيلها من الكويت، ليشكل بذلك مَعْلمًا دينيًا وثقافيًا ارتبط بالتاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة، كما حظي المسجد باهتمام خاص من قبل الأسرة الحاكمة الكويتية، خصوصًا لما يمثله من رمزية وطنية ولوقوعه في منطقة الشرق بالقرب من “فريج الشيوخ”، مما جعله يُعد مسجد الدولة الرسمي لفترة من الزمن، وقد قام الشيخ مبارك الكبير في عام 1319 هـ (1901م) بتجديد بنائه وتوسعته على نفقته الخاصة، تأكيدًا لأهمية هذا المسجد في المشهد الديني الكويتي آنذاك.
تم بناء المسجد من الطين وسقفه من الجندل الخشبي، وضم مدخلين، أحدهما من جهة الشمال المطلة على البحر، والآخر من جهة الجنوب على تل بهيته، حيث كان الدخول عبر درجات هابطة إلى الداخل، وقد كانت تحيط به الشوارع من ثلاث جهات، بينما جاورت الجهة الشرقية منازل المنطقة، أما مرافق الوضوء ودورات المياه فقد وُضعت شمال شرق المسجد بمحاذاة الساحل.
وضم المسجد ليوانًا فسيحًا مكوّنًا من صفين من الأعمدة الخشبية، إضافة إلى محراب مستقل، وكان الليوان والحوش يُستخدمان لإقامة الصلوات في شهور الصيف الحارة، بينما كانت المئذنة قصيرة ويُصعد إليها عبر درج مفتوح داخل فناء المسجد.
مع تطور المدينة، خضع المسجد في خمسينيات القرن العشرين لسلسلة من التعديلات الهندسية، نفذتها دائرة الأوقاف، شملت إعادة بناء الحوائط والمنارة ودورات المياه باستخدام الخرسانة والطابوق الأسمنتي، مع إضافة نقوش أسفل الجدران، في حين احتُفظ بالجدران الطينية للحرم وسقف الجندل، قبل أن يتم استبدال السقف لاحقًا بسقف خشبي مدعّم بالحديد ومغطى بألواح الشينكو.
ومع ازدياد العمران وتشييد المسجد الكبير في الثمانينيات، تقلص دور مسجد الخليفة، ما أدى إلى إغلاقه نتيجة تدهور حالته الإنشائية.
وفي عام 1996، أطلقت الأمانة العامة للأوقاف بالتعاون مع وزارة الأوقاف وبلدية الكويت والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مشروع ترميم المساجد التراثية، وكان مسجد الخليفة في مقدمة تلك الأولويات، بدأ التوثيق والدراسة في 1997، وتبعه التنفيذ في عام 2000، ليُنجز المشروع بالكامل في 2001.
وقد حرص فريق العمل على الحفاظ على الطابع التراثي، عبر إعادة استخدام الجندل والباسجيل والحصير، وترميم الجدران الطينية التي تصل سماكتها إلى المتر الواحد، وإزالة بلاط الموزايك وتعويضه ببلاط آجر جديد.
كما أعيد فتح فتحات التهوية القديمة المغلقة، ووُضعت فيها نوافذ خشبية، وتم ترميم مكان “شرب الحب” في موقعه الأصلي، بينما جرت معالجة الشروخ بالطرق التقليدية واستخدام الجص في التشطيبات.
أما من الناحية التقنية، فقد زُوّد المسجد بوحدات تكييف أرضية تعمل بالمياه المبردة دون التأثير على الطابع الجمالي الداخلي، كما تم الحفاظ على جميع العناصر الخشبية من نوافذ وأبواب وأعمدة، واستخدمت ألوان مختلفة لتمييز الفترات الزمنية للبناء، مثل الأبيض لبناء 1901، والبني الغامق لتعديلات 1955، والبني الفاتح لتوسعة 2001.
وقد واجه المسجد تحديات أثناء الترميم، إذ تهدّم جزء من الجدار الجنوبي بسبب الرياح القوية والأمطار، إضافة إلى تأثر الأساسات بالأملاح الناتجة عن ارتفاع منسوب الردم المجاور، ليُعاد بناؤه بالطين والتبن والجص، وفق الأساليب القديمة، بما يعيد للمسجد رونقه التاريخي ويؤكد مكانته ضمن معالم الكويت التراثية.
المصدر: الراي