يقع مسجد الخرطوم الكبير في قلب العاصمة السودانية، ويحيط به من الجهات الأربع مواقع سياسية وتاريخية بارزة، إذ يحده شرقاً قباب الأتراك، وجنوباً القصر الجمهوري، وغرباً ميدان الأمم المتحدة الذي كان يعرف سابقاً بميدان عباس، في حين يمتد شماله شارع القصر الذي كان يُعرف بشارع فكتوريا.
يمثل المسجد أحد أبرز المعالم المعمارية الإسلامية في السودان، وتم تشييده في موقع تاريخي يحمل دلالات دينية وتراثية، حيث شيد المسجد في القسم الغربي من مقابر الخرطوم القديمة، ولا تزال الحفريات داخل باحته تكشف عن بقايا بشرية من تلك المقابر حتى اليوم.
شهد المسجد بداية تشييده في 17 سبتمبر من عام 1900، وجرت مراسم افتتاحه في 4 ديسمبر 1901 خلال زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى السودان، وكان هذا الافتتاح حدثاً سياسياً ودينياً مهماً.
صمم المسجد وفق الطراز المعماري التقليدي للمساجد الإسلامية في العراق ومصر وفارس، فبُني على شكل مربع تبلغ أبعاده 45 متراً طولاً وعرضاً، ويتجه نحو القبلة في الجهة الشرقية.
يضم المسجد ثلاثة أبواب خشبية مستطيلة ذات أقواس مسلوبة وزخرفة صدفيّة، وتتوزع عليه نوافذ مستطيلة بزخارف مشبكة تعرف باسم زخرفة السبحة، تعلوها مناور تحتوي على منشورات زجاجية دائرية تسمح بدخول الضوء الطبيعي.
يعلو المسجد مئذنتان بارزتان، إحداهما في الزاوية الجنوبية الغربية والأخرى في الزاوية الشمالية الغربية، وتتشابه في نمطها مع مئذنتي السلطان المملوكي ناصر حسن الواقعتين في قلعة القاهرة، ويعكس هذا التأثر عمق الروابط المعمارية بين السودان ومصر في تلك الفترة.
أما السور الخارجي للمسجد فيحتوي على أربعة أبواب رئيسية، وقد أُعيد تجديده في نهاية تسعينيات القرن الماضي بأيدي فنيين سودانيين، في حين نُفذت الزخارف والنقوش بالحجر الرملي النوبي على يد حرفيين مصريين متخصصين.
سعَ المسجد منذ إنشائه إلى أن يكون مركزاً دينياً وتعليمياً، إذ يتسع لحوالي 10 آلاف مصلٍ، ويحتوي على معهد لتأهيل الأئمة، إلى جانب حلقات منتظمة لتعليم القرآن الكريم تقام في فترات الصباح.
وشهد المسجد في السنوات الأخيرة توسعاً تعليمياً عبر إنشاء ساحة خارجية أُطلق عليها اسم ساحة الإمام مالك، خُصصت لتدريس العلوم الشرعية.
جرى استخدام الحجر الرملي النوبي كمادة رئيسية في بناء المسجد، وتم جلبه من منطقة جبل أولياء، وشارك في عمليات تقطيعه عمال مصريون وسودانيون، كما استخدمت مواد أخرى كالملاط كعامل ربط بين الأحجار، بالإضافة إلى الطوب الأحمر والأسود الذي استُخدم للزينة في الواجهات، والحديد الذي وُظف كحواجز في النوافذ، والخشب في الأبواب والأسقف التي تستند إلى أقواس تنتهي بأعمدة مربعة الشكل، ما أعطى المسجد طابعاً معمارياً متماسكاً ومتنوع التفاصيل.
يمثّل مسجد الخرطوم الكبير اليوم رمزاً لتداخل العمارة والدين والتاريخ في وسط المدينة، ويواصل أداء أدواره الروحية والتعليمية رغم تغيرات الزمان والمكان من حوله.
المصدر: الوطن