بدأ الخليفة العزيز بالله الفاطمي إنشاء مسجد الحاكم بأمر الله خلال أواخر القرن العاشر الميلادي، غير أن أعمال البناء لم تكتمل إلا في عهد ابنه الحاكم بأمر الله، وقد جاء تأسيس المسجد ضمن خطة الدولة الفاطمية لترسيخ وجودها الديني والمعماري في العاصمة الجديدة القاهرة.
استُخدم المسجد كمركز ديني وجماعي بارز خلال فترة الحكم الفاطمي، وحرصت السلطات آنذاك على إبرازه كرمز للتوجه الشيعي للدولة، وجرى الاهتمام بعناصره الزخرفية وهندسته المعمارية، التي اتسمت بالفخامة والتماثل المعماري، وشملت واجهات منقوشة، ومآذن مزدوجة، وقاعات صلاة فسيحة.
تعرض المسجد خلال القرن الحادي عشر الميلادي لعملية دمج في منظومة التحصينات الدفاعية التي أنشأها الوزير بدر الدين الجمالي، حيث جرى ربطه بأسوار القاهرة، ما منحه وظيفة جديدة تجاوزت دوره الديني، وفرضت عليه تغيرات بنيوية أثرت على تصميمه الأصلي، دون أن تلغي هويته الفاطمية.
سجلت منظمة اليونسكو المسجد عام 1979 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي باعتباره جزءاً من القاهرة الإسلامية، ويُعد المسجد أحد أقدم المعالم الباقية من فترة الحكم الفاطمي، وهو يمثل نموذجاً واضحاً لفنون العمارة الإسلامية في شمال أفريقيا خلال القرون الوسطى.
أُجريت للمسجد أعمال ترميم واسعة في العصر الحديث شملت الواجهات والأعمدة والأسقف، وجرت إعادة تأهيل مساحات الصلاة الداخلية لتصبح صالحة للاستخدام مرة أخرى، وافتُتح المسجد رسمياً للزوار والمصلين بعد فترات من الإغلاق، ليستعيد وظيفته كموقع ديني وسياحي.
تميز المسجد بمئذنتين ضخمتين على جانبي البوابة، وتم تغليف قاعدتيهما بأبراج دفاعية في العصور اللاحقة، ويُعد هذا التصميم من أقدم النماذج المعمارية المعروفة للمآذن الفاطمية، كما يحتفظ المسجد ببهو واسع وسقف مرتفع، ما يمنحه طابعاً مهيباً رغم بساطة الزخارف.
يُعتبر مسجد الحاكم بأمر الله من بين المساجد القليلة التي حافظت على هويتها التاريخية على مدى أكثر من ألف عام، وهو ما يمنحه أهمية خاصة في السياق المعماري والسياسي للقاهرة الإسلامية، ويجعله محطة دائمة في برامج الزيارات السياحية والدينية داخل المدينة.
المصدر: ويكيبيديا
