يُعتبر مسجد البراني من أبرز المعالم التاريخية التي تزين قصبة الجزائر العاصمة، فقد شُيّد عام 1653 في عهد العثمانيين ليكون واحدًا من المساجد التي تخدم سكان المنطقة وتعكس الهوية الإسلامية المتجذرة في الحي العريق، وقد ارتبط اسمه بموقعه خارج أسوار القصبة، وهو ما منحه مكانة خاصة بين سكانها وزوارها على حد سواء.
المسجد لم يكن مجرد مكان للعبادة، بل لعب دورًا اجتماعيًا وثقافيًا، إذ كان ملتقى للعمال والسكان المحليين، وقد شهد توسعًا مهمًا عام 1818 حين اتخذته السلطات العثمانية مقرًا لآغا عثماني، ما أضاف إليه بُعدًا سياسيًا وإداريًا، غير أن الاحتلال الفرنسي للجزائر قلب موازين وظيفته تمامًا حين حوّله عام 1839 إلى ثكنة عسكرية، قبل أن يُحول بعد سنوات قليلة إلى كنيسة استُخدمت حتى عام 1843، وهي فترة تركت آثارًا واضحة على هيكله الأصلي.
رغم ذلك بقي المسجد رمزًا صامدًا أمام التحولات، حيث صُنف كمعلم ثقافي محمي منذ عام 1887، ثم أعادت الدولة الجزائرية التأكيد على مكانته التراثية بعد الاستقلال عام 1962، وهو ما ساعد في الحفاظ على دوره الديني والحضاري، كما خضع على مر العقود إلى عمليات ترميم متكررة للحفاظ على ملامحه الأصلية، كان أبرزها إصلاح سقفه بشكل عاجل عام 2016، وصولًا إلى عملية ترميم شاملة اكتملت عام 2024 وأعادت له بريقه التاريخي.
من الناحية المعمارية يتميز مسجد البراني بتصميم عثماني مستطيل الشكل يجمع بين الطابع المغاربي والأندلسي، وتُعد مئذنته المثمنة من أبرز عناصره الجمالية التي تعكس تأثيرات معمارية متداخلة، كما أن موقعه في حي باب جديد بالقرب من ساحة الشهداء يزيد من أهميته السياحية والثقافية، إذ يقصده الزوار ضمن جولاتهم لاكتشاف تراث القصبة المدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1992.
وتبقى الجهود المبذولة من قبل السلطات الجزائرية ومؤسسات التراث واضحة في صيانة المسجد وتنظيم فعاليات ثقافية ودينية مرتبطة به، بما يعزز مكانته كوجهة سياحية وثقافية بارزة في العاصمة، كما أنه يظل شاهدًا حيًا على التفاعل التاريخي بين العصور الإسلامية والعثمانية وما تلاها من مراحل الاستعمار، ليجسد بذلك جزءًا مهمًا من الذاكرة الجزائرية.
زيارة مسجد البراني اليوم تمنح تجربة ثرية تعكس عراقة قصبة الجزائر كمنطقة حضارية، وتُظهر قيمة العمارة العثمانية التي ما زالت تزين أزقتها الضيقة وساحاتها، ومع استمرار جهود الترميم والحفاظ، يظل المسجد رمزًا خالدًا يجمع بين الماضي والحاضر في صورة حضارية متفردة.
المصدر: العين الإخبارية