الخميس 1447/05/15هـ (06-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مرئي » المعالم التاريخية » مسجد الأباريقي في بغداد يجسد ذاكرة العبادة وعمق التاريخ الإسلامي العريق

مسجد الأباريقي في بغداد يجسد ذاكرة العبادة وعمق التاريخ الإسلامي العريق

يجسد مسجد الأباريقي في قلب بغداد ملامح تاريخٍ دينيٍ متجذر، إذ شُيد عام 647هـ في نهاية العهد العباسي على يد الشيخ محمد الأباريقي، الذي عُرف بخدمته لمرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني، حيث ارتبط اسمه بالماء الذي كان يقدمه للمتوضئين، فصار رمزًا للتواضع والعمل في سبيل الدين.

ويقع المسجد في جانب الرصافة قرب الباب الشرقي بمحلة الفناهرة، على مساحة تتجاوز 800 متر مربع، ويُعد من أقدم المساجد التراثية في العاصمة العراقية، وقد مرّ بعدة مراحل من الترميم والتجديد للحفاظ على طابعه الإسلامي التقليدي، إذ أعادت مديرية الأوقاف العامة إعمار المسجد عام 1381هـ، في حين تولى ديوان الوقف السني آخر عملية ترميم واسعة عام 1433هـ، لتبقى مئذنته شاهدة على حقبٍ متتابعةٍ من التاريخ الديني لبغداد.

ويضم المسجد حرماً يتسع لأكثر من 300 مصلٍ، إضافة إلى مصلى صيفي يستقبل نحو 400 مصلٍ، ويُعد من المساجد التي حافظت على إقامة الصلوات الخمس وصلاة الجمعة رغم ما مرّ به من فترات صعبة، إذ ظل منارةً روحيةً لأهالي المنطقة وملتقى للعلم والعبادة منذ تأسيسه وحتى اليوم.

وتشير الروايات إلى أن قبر الشيخ محمد الأباريقي كان تحت النافذة الأولى يمين باب المصلى، إلا أن معالمه أُخفيت أثناء التوسعة التي أُجريت للحرم في منتصف القرن الماضي، ورغم اختفاء القبر ظلت الذاكرة الشعبية تحتفظ بمكانته بوصفه أحد رموز الورع والزهد في تاريخ بغداد الصوفي.

وتعرض المسجد بعد الغزو الأمريكي للعراق للإغلاق في عام 2006 بسبب الأحداث الطائفية التي شهدتها البلاد آنذاك، ما أدى إلى توقف إقامة الصلوات لفترةٍ دامت نحو عامين، قبل أن يُعاد افتتاحه في مايو 2008 بجهود الأهالي ورعاية ديوان الوقف السني، ليعود صوته بالآذان يعلو من جديد في سماء الرصافة.

ويمثل مسجد الأباريقي اليوم أحد الشواهد الحية على العمارة الإسلامية في بغداد، حيث ما زال يحتفظ بطابع الطابوق القديم الذي بني به، وتزين جدرانه نقوشٌ وزخارف بسيطةٌ تروي أسلوب البناء العباسي، وهو ما يمنحه هويةً معماريةً نادرةً وسط التطور العمراني الحديث.

ويعكس المسجد في حضوره الحالي التفاعل بين الماضي والحاضر، إذ يجمع بين أصالة التراث وواقع المدينة المتغير، ويؤكد الدور المستمر للمساجد في الحفاظ على الهوية الروحية والاجتماعية لبغداد، التي طالما كانت موطن العلم والتقوى عبر القرون.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار