تُعد مدينة مروانة الواقعة بولاية باتنة في الجزائر من أبرز المدن ذات الإرث الحضاري المتنوع، إذ تأسست في القرن الأول الميلادي تحت اسم لامصبة، وقد أدرجت ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، وهو ما يعكس قيمتها التاريخية المميزة، كما أنها لعبت أدواراً متعاقبة في الحضارات المختلفة التي مرت على المنطقة.
خلال الحقبة الرومانية كانت لامصبة مركزاً حضارياً وإدارياً مهماً، حيث شهدت تطوراً كبيراً في أنظمة الزراعة والري، ثم أُعيد بناؤها في العهد البيزنطي لتكون قاعدة عسكرية، وفي العصر العثماني اكتسبت طابعاً استراتيجياً باعتبارها مقراً للعمليات العسكرية، مما جعلها نقطة تلاقي بين الحضارات.
يُشكل التراث الشاوي الأمازيغي جزءاً أساسياً من هوية مروانة، حيث تُعد اللهجة الشاوية رمزاً للتواصل والانتماء، فيما تحتفظ العادات والتقاليد بعناصرها الأصيلة التي تعكس عمق الجذور الثقافية للسكان، وهو ما يبرز التمازج بين التاريخ المادي المتمثل في الآثار والمعالم، والجانب غير المادي الذي يتجسد في اللغة والفنون.
تشتهر مروانة أيضاً بصناعة الزرابي التقليدية ذات الزخارف المميزة، والتي تُعرف باسم الزربية الأوراسية، كما تُعد الحلي التقليدية من أبرز الصناعات المحلية التي تحمل طابعاً فنياً خاصاً مثل الأقراط والعقود، وهي عناصر تعكس الذوق الفني والمهارة الحرفية التي توارثتها الأجيال.
ومن بين الاكتشافات المهمة في مروانة النقوش الحجرية التي عُثر عليها عام 1877، والتي وثقت أنظمة الري وأساليب إدارة الموارد المائية، حيث اعتُبرت هذه النقوش بمثابة وثائق تاريخية تساهم في فهم طرق الحياة في تلك الفترات، وتؤكد أن المدينة كانت مركزاً متقدماً في مجالات الزراعة والتنظيم.
كما تُعد مروانة جزءاً من فضاء حديقة الأوراس الثقافية، وهي منطقة تجمع بين البعد التاريخي والبيئي، إذ تستقطب هذه المواقع عشاق التاريخ والباحثين عن تجربة ثقافية مميزة، خاصة مع وجود آثار رومانية وبيزنطية متبقية، والتي تقدم صورة واضحة عن تعاقب الحضارات وتطور العمارة في المنطقة.
وتسعى الجهود المحلية إلى إبراز هذه القيمة التراثية من خلال تنظيم فعاليات ثقافية ومعارض للحرف اليدوية، إلى جانب مبادرات للحفاظ على المواقع الأثرية، وهي خطوات تهدف إلى تعزيز السياحة الثقافية وضمان استدامة الهوية التاريخية للمدينة.
إن زيارة مروانة تمنح الزوار فرصة للتعرف على التمازج بين التراث الأمازيغي والروماني، حيث تجمع بين الآثار القديمة والصناعات التقليدية والطقوس الشعبية، مما يجعلها مركزاً حضارياً وثقافياً غنياً بالتجارب، ومقصداً يثري المعرفة ويُلهم الباحثين عن التاريخ.
المصدر: ويكيبيديا