تقع مدينة مروي التاريخية في السودان على الضفة الشرقية لنهر النيل، على بُعد نحو 200 كيلومتر شمال الخرطوم، وتعد من أبرز الحواضر القديمة في أفريقيا التي ارتبطت باسم مملكة كوش خلال الفترة الممتدة من 750 قبل الميلاد وحتى 300 ميلادي، وقد مثلت العاصمة الثانية للمملكة بعد مدينة نبتة، وظلت شاهدة على مراحل سياسية واقتصادية وثقافية فارقة في التاريخ السوداني القديم.
ورغم القيمة الأثرية للموقع وتنوع معالمه العمرانية من أهرامات وقصور ومعابد، فإن المدينة تواجه تهديدات مباشرة بسبب الفيضانات الأخيرة، ما دفع الحكومة السودانية لمناشدة اليونسكو تقديم دعم عاجل لحماية المواقع الأثرية.
تميّزت مروي عن غيرها من المدن القديمة بكونها مركزًا لتطور صناعات المعادن والزراعة والتجارة، حيث اعتمد اقتصادها على تربية الماشية وصهر الحديد وصياغة الذهب، كما استخدمت أدواتها في الزراعة والبناء والتبادل التجاري مع الداخل الأفريقي ودول البحر المتوسط، وهو ما جعلها عقدة اتصال بين الشمال والجنوب.
وشكلت الأهرامات في مروي، والتي يتراوح ارتفاعها بين 6 إلى 30 مترًا، رمزًا للسلطة والنفوذ، إذ دُفن فيها ملوك وملكات، واحتوت على مقصورات مزخرفة ومجوهرات وأسلحة فاخرة، لكنها تعرضت للنهب في القرن التاسع عشر على يد المستكشف الإيطالي جوزيبي فريليني الذي فجر قمم عدد كبير منها.
يرتبط تراث مروي بأسماء بارزة مثل الملك أركماني الأول، الذي نقل عاصمة كوش من نبتة إلى مروي وفرض نظامًا جديدًا للحكم والدين، والملكة أماني شخيتو التي تركت آثارًا ونقوشًا واسعة في ستة مواقع مختلفة، وتُعتبر من أشهر الحاكمات في تاريخ مروي، إلى جانب الملكة أماني توري التي شاركت شريكها نتك أماني في تشييد معابد آمون، وأصبحت إحدى أبرز الرموز السياسية والدينية في تلك الحقبة.
ورغم تسجيل أهرامات مروي ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 2011، فإن واقعها لا يعكس حجم أهميتها التاريخية، إذ تعاني من تآكل بنيتها بفعل الفيضانات، وضعف البنية التحتية لحمايتها، وغياب التوثيق العلمي المتكامل، إضافة إلى عدم فك رموز اللغة المروية حتى اليوم، ما يُبقي كثيرًا من تفاصيل حضارة كوش محجوبة عن التفسير الكامل.
وتزداد التحديات في ظل صعوبة الوصول للموقع وتراجع السياحة، مما يجعل الحاجة ملحة لتدخلات عاجلة تضمن صيانة هذه الآثار، وتحقيق توازن بين متطلبات الحماية والتنمية.
واختتمت الهيئات المختصة دعواتها بضرورة بناء شبكات حماية مناخية، وتوفير التمويل الدولي لترميم المعالم، مع دعم مشاريع رقمية لتوثيق المدينة، وإبرازها عالميًا كمركز حضاري فريد في قلب أفريقيا، يختزن تاريخًا لا يقدّر بثمن ويستحق الحفظ من الاندثار.
المصدر: الجزيرة نت