تحولت مدينة بصرى الواقعة جنوب سوريا إلى رمز أثري نادر، بعد أن احتفظت بمعالم معمارية فريدة تعود إلى حضارات متعددة، حيث تُعد واحدة من أهم المدن الأثرية التي ما زالت تحتفظ بجزء كبير من طابعها التاريخي، رغم ما تعرضت له من أضرار خلال سنوات الحرب الأخيرة، وقد أُدرجت المدينة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي لما تحتويه من معالم نادرة تجسد حقبًا حضارية مختلفة.
يتميز مسرح بصرى الروماني بكونه واحدًا من أكبر المسارح الرومانية المتبقية في العالم، وقد ساهمت القلعة التي أحاطت به في حفظ بنيته المعمارية، إذ يعود الفضل في إنشائها إلى القائد صلاح الدين الأيوبي، حيث استخدم الموقع لأغراض دفاعية خلال العصور الإسلامية، وقد تحول المسرح إلى نموذج فريد يجمع بين طابع الترفيه العسكري والطراز المعماري الدقيق.
تحيط بالمسرح قلعة ضخمة، بُنيت خصيصًا لحمايته وتحويله إلى مركز حصين، وشهدت هذه القلعة تطورات معمارية خلال مراحل متعددة من الحكم الإسلامي، ما منحها قيمة دفاعية ومعمارية عالية، فيما تضم المدينة معالم دينية مسيحية وإسلامية تعكس تاريخها المتنوع، من بينها الكاتدرائية البيزنطية التي تعود إلى القرون الأولى، ودير الراهب بحيرا القريب من مسجد مبرك الناقة، حيث يُعتقد أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مر بها أثناء إحدى رحلاته التجارية.
يمثل مسجد مبرك الناقة أحد المعالم الدينية البارزة في المدينة، ويحتل موقعًا ملاصقًا للدير، وهو ما يعكس التداخل الديني والتاريخي بين العصور المختلفة التي مرّت بها المدينة، وتضم بصرى كذلك مجموعة من الأسواق الأثرية التي تقع جزئيًا تحت الأرض، ويعد خان الدبس من أبرز هذه الأسواق التي استخدمت لأغراض تجارية على مدى قرون.
تشمل المدينة آثارًا رومانية متعددة مثل الحمامات العامة، والمباني الإدارية، والأقنية المائية، وتدل هذه المعالم على التقدم الحضاري الذي بلغته المدينة خلال العهد الروماني، فيما يحتفظ متحف بصرى بعدد من القطع الأثرية التي توثق مراحل تطورها التاريخي والمعماري، ما يجعله محطة مهمة للزوار والباحثين.
شهدت بصرى خلال العقود الماضية تحديات كبيرة أثّرت على حالتها العمرانية، فقد كانت محطة مركزية على طريق الحج القديم، وموقعًا تجاريًا هامًا في العصور القديمة، كما أن تنوع الحضارات التي مرت بها من النبطيين إلى الرومان إلى المسلمين، منحها طابعًا فريدًا، بينما ارتبط اسمها بأحداث دينية مهمة بينها زيارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ما زاد من قيمتها الروحية والتاريخية.
أدى النزاع المسلح في سوريا إلى تحويل عدد من المعالم الأثرية في بصرى إلى ثكنات عسكرية، وتعرضت المدينة لتدمير جزئي نتيجة القصف أو الإهمال، ما دفع اليونسكو إلى تصنيفها ضمن مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر، في ظل غياب خطط ترميم واضحة أو دعم دولي كافٍ، رغم مكانتها التاريخية.
تعكس مدينة بصرى مزيجًا نادرًا من العمارة، والدين، والتاريخ، والاقتصاد، حيث تمثل مثالًا حيًا على كيفية تلاقي الثقافات، لكنها تواجه تحديات متصاعدة تهدد وجودها كموقع تراث عالمي، ما يفرض ضرورة الحفاظ على هذا الإرث قبل فوات الأوان.
المصدر: اليونسكو