انطلقت الجهود العراقية لإحياء مدينة بابل الأثرية واستعادة مكانتها في الذاكرة العالمية بعد إدراجها رسميًا ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، ويأتي هذا الاعتراف الدولي ليعزز من أهمية المدينة التاريخية التي شكلت مركزًا حضاريًا بارزًا في العصور القديمة ، وتمكنت من ترك أثر عميق في الثقافة والفنون والسياسة والدين عبر آلاف السنين ، وتُعد بابل اليوم من أهم المواقع الأثرية في الشرق الأوسط والعالم ، نظرًا لما تحتويه من رموز معمارية وتاريخية تؤرخ لواحدة من أكثر الإمبراطوريات تأثيرًا في تاريخ البشرية.
تقع مدينة بابل على بعد 85 كيلومترًا جنوب العاصمة بغداد ، وقد كانت عاصمة للإمبراطورية البابلية الحديثة بين عامي 626 و539 قبل الميلاد ، وشهدت المدينة في تلك الحقبة ذروة قوتها السياسية والعسكرية والدينية ، حيث حكمها ملوك بارزون مثل نبوخذ نصر الثاني الذي ترك بصمة معمارية واضحة في ملامح المدينة .
وبرزت بابل خلال هذه الفترة كقوة إقليمية ذات نفوذ يمتد إلى مناطق واسعة في الشرق الأدنى ، ويعكس التنوع العمراني الموجود في المدينة طبيعة التنظيم الإداري والديني والعسكري في الحضارة البابلية التي كانت متقدمة بشكل كبير مقارنة بغيرها من الحضارات المعاصرة.
برزت معالم بابل الأثرية بوصفها شواهد على عبقرية التخطيط العمراني البابلية ، وتحتوي المدينة على آثار معمارية ضخمة مثل الأسوار الداخلية والخارجية وبوابة عشتار التي بُنيت من الطوب المزجج الملون وزُينت برسومات تمثل حيوانات أسطورية كالثيران والتنانين .
ويقود الزائر عبر هذه البوابة شارع الموكب الذي كان مخصصًا للطقوس الدينية والمهرجانات البابلية الكبرى وفي مقدمتها مهرجان “أكيتو” الذي كان يُحتفل به في بداية العام الجديد .
كما ترتبط بابل بأسطورة الحدائق المعلقة التي اعتبرها المؤرخون من عجائب الدنيا السبع رغم استمرار الجدل حول موقعها الجغرافي الدقيق ، وتدل هذه المعالم على مستوى عالٍ من المعرفة بالهندسة والبناء وفنون الزخرفة المعمارية التي ميزت هذه الحضارة عن غيرها.
جاء إدراج بابل ضمن قائمة التراث العالمي عام 2019 تتويجًا لمساعي طويلة بذلتها الجهات العراقية المعنية بالتنسيق مع مؤسسات دولية لحماية التراث الثقافي الإنساني ، ويمثل هذا الاعتراف مرحلة جديدة في جهود الحفاظ على آثار المدينة التي تضررت على مدار قرون بسبب عوامل طبيعية وبشرية متعددة.
كما تسلط هذه الخطوة الضوء على الحاجة إلى تمويل دولي ودعم فني من أجل ترميم المواقع المتضررة وضمان حماية هذه الآثار للأجيال القادمة ، وترى منظمة اليونسكو أن بابل تمثل رمزًا حضاريًا وإنسانيًا يشهد على تطور الإنسان في مجالات الفكر والدين والقانون والعمران.
تُعد بابل اليوم أكثر من مجرد موقع أثري ، فهي رمز لهوية حضارية عراقية وإنسانية تمتد جذورها إلى آلاف السنين ، وتشكل دراسة المدينة وتحليل معمارها وسياقاتها التاريخية مدخلًا لفهم طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي مر بها الشرق الأدنى القديم ، ويمنح هذا الإدراك أهمية كبرى للجهود الرامية إلى صون التراث العراقي الذي يمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية جمعاء ، ومن شأن إعادة الاهتمام ببابل أن يعيد للعراق موقعه الثقافي الريادي في المنطقة ويعزز من ارتباط الأجيال الجديدة بتاريخها الوطني المتجذر في أقدم حضارات العالم.
المصدر: ويكيبيديا