تحمل مدينة العين في دولة الإمارات العربية المتحدة قيمة تراثية خاصة بعد أن ضمتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي ، حيث تجمع مواقعها الثقافية بين الامتداد الزمني الطويل والعمق الحضاري ، وتشمل أبرز هذه المواقع حفيت وهيلي وبدع بنت سعود ومناطق الواحات التي تعكس أنماط الحياة القديمة وتوثّق المراحل الأولى للاستيطان البشري في بيئة صحراوية منذ العصر الحجري الحديث.
تبرز مقابر جبل حفيت الدائرية التي يعود تاريخها إلى ما يقارب 2500 عام قبل الميلاد كأحد أوائل الشواهد على المجتمعات المستقرة في المنطقة ، وتمثل هذه المقابر الحجرية تطورًا في مفاهيم الدفن وطقوس الموت لدى الإنسان القديم ، بينما تكشف المنطقة المحيطة بها عن مسارات تجارية وعلاقات تواصل ثقافي بين مجتمعات ما قبل التاريخ.
تضم منطقة هيلي أحد أقدم أنظمة الري في العالم المعروف باسم “الأفلاج” والذي يعود إلى العصر الحديدي ، وتشير بقايا الأبراج والمباني المكتشفة إلى وجود بنى اجتماعية وتنظيم مدني متقدم ، كما تسلط هذه الآثار الضوء على تطور أنماط الزراعة واستغلال الموارد المائية في بيئة قاسية مثل الصحراء.
يحتوي موقع بدع بنت سعود على مدافن تعود إلى أكثر من 3000 عام وموقع فلج أثري يوضح مراحل تطور إدارة المياه عبر العصور ، وتشير هذه الأدلة إلى أهمية العين كمركز حضاري قديم ساهم في تشكيل البنية السكانية والثقافية في المنطقة.
تعكس مناطق الواحات المحيطة بالمدينة أساليب الحياة التقليدية المبنية على الزراعة وتربية المواشي واستخدام تقنيات ري فعّالة ، وتُعد هذه الواحات نموذجًا حيًا لاستمرارية التفاعل بين الإنسان والبيئة بما يضمن استدامة الحياة في محيط طبيعي صعب ، كما تُظهر أنماط البناء والتخطيط فيها ارتباط السكان المحليين بالهوية الثقافية والموروث الاجتماعي.
تواصل دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي جهودها للحفاظ على هذه المواقع عبر تنظيم فعاليات تثقيفية ومبادرات توعوية لتعزيز الوعي العام بدور التراث في التنمية المستدامة ، كما تشجع على إشراك المجتمع المحلي في حماية تلك المواقع وتوثيقها وتقديمها للأجيال المقبلة ضمن برامج تعليمية وثقافية مستمرة.
تجسد مدينة العين نموذجًا حقيقيًا للانتقال من حياة الصيد وجمع الغذاء إلى حياة الاستقرار وبناء المجتمعات ، ما يجعلها مرجعًا أساسياً في فهم تطور الحضارات في المنطقة العربية ، ويمنحها موقعًا راسخًا ضمن السرد التاريخي الإنساني الذي تتابعه مؤسسات التراث العالمية بدقة واهتمام.
المصدر: اليونسكو
