تحتفظ مدينة السلط الأردنية بمكانتها كإحدى أبرز الحواضر التاريخية في منطقة الشرق الأوسط، بعدما أدرجت على قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2021، تقديرًا لقيمتها الثقافية والمعمارية الفريدة، فقد استطاعت المدينة، الواقعة غرب العاصمة عمان، أن تحافظ على طابعها التراثي عبر مبانٍ حجرية شُيّدت خلال الحقبة العثمانية، تعكس أسلوبًا معماريًا مميزًا يجمع بين الجمال والدقة في التصميم، وتُعد مثالًا حيًا على امتزاج الحضارات والتقاليد في بيئة حضرية متجانسة.
تميّزت السلط، التي تُعرف بلقب “مدينة التسامح والضيافة”، بمبانٍ تاريخية بُنيت بالحجر الجيري الأصفر، وهو عنصر جمالي يربطها بعواصم قديمة مثل دمشق والقدس ونابلس.
وتدل هذه المباني على مهارة المعماريين المحليين آنذاك في توظيف المواد الطبيعية في تشييد منازل ذات طابع عمراني موحد، تتوزع بين الأحياء والمرتفعات، ما يعكس روح المدينة المتصالحة مع جغرافيتها وتضاريسها.
ولا يقتصر تميز السلط على البعد المعماري، بل يمتد ليشمل البعد الإنساني والثقافي، حيث تزدهر فيها مظاهر التعايش بين المسلمين والمسيحيين، ويتجلى ذلك في تلاصق المساجد والكنائس وتكامل الوظائف الاجتماعية والدينية.
وتقع المدينة على طريق تاريخي قديم يربط بين عمان والقدس، ما جعلها عبر القرون ملتقى للتجار والمسافرين والعلماء، ومركزًا حضاريًا يستوعب التنوع ويحتضن التعدد.
وتضم السلط معالم تراثية مهمة، من أبرزها متحف السلط التاريخي (بيت أبو جابر) الذي يوثق حياة المدينة عبر العصور، ومسجد السلط الكبير الذي يعود إلى القرن التاسع عشر ويُعد شاهدًا على العمارة الإسلامية، إلى جانب شارع الحمام الذي يحتوي على بقايا حمامات عثمانية، وشارع الستين الذي يزخر بالمحلات التجارية ذات الطابع التقليدي.
كما يُعد مقام النبي شعيب من أبرز الرموز الدينية في المدينة، ويزوره المئات سنويًا لما يحمله من قيمة روحية وتاريخية، ويكمل بيت خيرات السلط هذه اللوحة التراثية بعرض المنتجات المحلية والحرف اليدوية، إلى جانب متحف آثار السلط الذي يضم قطعًا نادرة تعود لفترات مختلفة، تعكس غنى المدينة بالأحداث والمراحل الزمنية المتعاقبة، هذه المعالم مجتمعة تجعل من السلط وجهة سياحية وثقافية بارزة، تقدم للزائر تجربة غنية مليئة بالأصالة والدفء.
ولم تكن جهود إدراج المدينة على قائمة التراث العالمي عفوية، بل جاءت نتيجة عمل متواصل لحماية الإرث العمراني والتقاليد المحلية من الاندثار، وسط تطور عمراني متسارع يهدد هوية العديد من المدن القديمة في المنطقة.
وتُمثل السلط نموذجًا ناجحًا لمفهوم التنمية المستدامة المرتكزة على حماية التراث وتعزيز الثقافة المحلية كمورد اقتصادي وسياحي.
المصدر: اليونسكو