الجمعة 1447/02/14هـ (08-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مدينة الحضر العراقية.. نموذج عمراني نادر يجمع بين التأثيرات الهلنستية والرومانية والشرقية

مدينة الحضر العراقية.. نموذج عمراني نادر يجمع بين التأثيرات الهلنستية والرومانية والشرقية

تُجسد مدينة الحضر الأثرية في العراق نموذجًا حيًا لتاريخ الممالك العربية الأولى التي ظهرت في المنطقة، حيث أُدرجت ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو منذ عام 1985، وتُعرف المدينة أيضًا باسم مملكة الحضر أو مملكة عربايا، وقد لعبت دورًا محوريًا في التاريخ السياسي والثقافي والديني، كما شكلت نموذجًا عمرانيًا نادرًا يجمع بين التأثيرات الهلنستية والرومانية والشرقية في وقت واحد.

تُعد الحضر أول عاصمة لمملكة عربية مستقلة في شمال العراق، وقد تأسست في العصر السلوقي بين القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد، وشهدت المدينة مراحل متقدمة من الازدهار التجاري والثقافي والعسكري، كما عُرفت بقدرتها على الصمود في وجه الغزوات الرومانية بفضل تحصيناتها الهندسية المحكمة، حيث أحاطتها أسوار ضخمة ومعاقل عسكرية جعلت منها حصنًا منيعًا لا يُخترق بسهولة، ما منحها مكانة مركزية في خريطة الصراعات القديمة بين الممالك والإمبراطوريات.

احتضنت الحضر معابد ومبانٍ دينية من طرز مختلفة، مما يكشف عن تعددية حضارية ودينية في مجتمعها، كما ضمت نقوشًا وكتابات قانونية نادرة تُظهر تطور الإدارة والنظام القضائي، وقد وُجدت تماثيل ضخمة ومجسمات حجرية تعبّر عن طقوسها الدينية ومكانة الحكام فيها، وامتلكت المدينة نظام حكم ملكي مستقل استمر قرابة قرن، حيث تعاقب على عرشها أربعة ملوك أسسوا لنظام سياسي يُصنّف من بين أولى التجارب العربية في الإدارة المركزية.

ضربت مملكة الحضر عملاتها الخاصة على نمط العملات اليونانية والرومانية، ما يعكس قدرتها على الاندماج في السياق الاقتصادي الإقليمي دون التخلي عن هويتها السياسية المستقلة، كما تطورت فيها صناعات الفخار والنقش والنحت المعماري، ويُرجّح المؤرخون أن الحضر قد لعبت دورًا تجاريًا مهمًا على طريق الحرير، إذ كانت محطة رئيسية للعبور بين مناطق الشام وبلاد فارس.

تعرضت الحضر للتدمير على يد تنظيم داعش في عام 2015، حيث طال التخريب تماثيلها ومواقعها المقدسة، ما شكّل خسارة كبيرة للتراث الإنساني، وتُواصل الجهات المختصة في العراق التعاون مع منظمات دولية لترميم ما تبقى من معالمها وإعادة تأهيلها، كما تُعد جهود حماية الحضر حاليًا جزءًا من مساعي أوسع لحفظ الهوية الثقافية العراقية وتعزيز حضورها في المشهد العالمي.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار