احتضنت مدينة المحرق أول تجربة تعليمية نظامية في البحرين من خلال تأسيس مدرسة الهداية الخليفية، التي أصبحت اليوم من أبرز المعالم التراثية والتربوية في المملكة.
تأسست المدرسة في عام 1919 لتكون أول مؤسسة حديثة مخصصة لتعليم البنين، وعبّرت آنذاك عن انطلاقة جديدة في مسار التعليم النظامي في البحرين، لتشكّل نقطة تحول أساسية في المجتمع البحريني، متجاوزة أساليب التعليم التقليدي التي اقتصرت سابقًا على الكتاتيب وحلقات المساجد.
شُيّد مبنى المدرسة من أفضل أنواع الحجر الطبيعي الذي جرى استجلابه من جزيرة جدة، وتم تصميمه على يد مهندس هندي بطريقة معمارية متقنة، جمعت بين البساطة والفخامة.
يتكوّن المبنى من طابقين وثلاثة أجنحة تُطِل على فناء مركزي مفتوح، ما أتاح بيئة تعليمية منفتحة ومتجددة، كما أضيف إليه جناح رابع في عام 1926 ليتناسب مع احتياجات التوسع في أعداد الطلاب والأنشطة الدراسية.
منذ تأسيسها، لعبت المدرسة دورًا تنويريًا بارزًا، إذ احتضنت نخبة من المعلمين والطلاب الذين ساهموا في صياغة الوعي الثقافي والسياسي للبلاد، وأصبحت مركزًا للفكر الإصلاحي والحراك الاجتماعي.
ومع مرور الزمن وتغير الاحتياجات التعليمية، خضعت المدرسة لعدة مراحل من الإخلاء والترميم، حيث تم في مطلع التسعينيات إخلاء المبنى بهدف إجراء أعمال تأهيلية، شملت إزالة الطابق الثاني وإعادة النظر في بنيته المعمارية للحفاظ على سلامته الإنشائية.
وفي مرحلة لاحقة، تولت وزارة الثقافة، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، مسؤولية ترميم المبنى بما يليق بمكانته التاريخية، حيث تم تحويله إلى متحف تعليمي يُجسّد تاريخ التعليم النظامي في البحرين منذ بداياته الأولى حتى العصر الحديث.
حافظت عمليات الترميم على الطابع المعماري الأصيل للمبنى، مع تعزيز دوره كمركز ثقافي يعرض وثائق، وصور، ومجسمات توثق لتاريخ التعليم والتطورات التي شهدها.
تُعد مدرسة الهداية الخليفية اليوم أحد أبرز المقاصد السياحية والثقافية في مدينة المحرق، حيث يتيح المتحف لزواره فرصة استكشاف المراحل المختلفة لتطور التعليم في المملكة، والتعرّف على الرموز التربوية التي ساهمت في بناء النهضة الفكرية البحرينية.
كما تُقام في ساحاته وردهاته فعاليات تراثية ومهرجانات شعبية تُعيد إلى الذاكرة نمط الحياة اليومية في مطلع القرن العشرين، مما يعزز من ارتباط المجتمع المحلي بإرثه الثقافي والتعليمي.
بهذا، تحولت مدرسة الهداية الخليفية من مؤسسة تعليمية إلى معلم تراثي نابض بالحياة، يُجسد قصة التعليم في البحرين، ويحمل رسالة مستمرة لأجيال اليوم، تؤكد على أهمية التمسك بالهوية الوطنية، وتكريم منارات العلم والمعرفة في تاريخ البلاد.
المصدر: هيئة البحرين للثقافة