تُعد مدافن الجنبية الواقعة في المحافظة الشمالية من أبرز الشواهد الأثرية التي تعكس حضارة دلمون، حيث يعود تاريخها إلى الفترة الممتدة بين عامي 2200 و1750 قبل الميلاد، وقد سُجلت ضمن موقع تلال مدافن دلمون في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2019، ما جعلها رمزاً عالمياً للإرث البحريني العريق.
تتكون المدافن من تلال ركامية تضم آلاف الأبراج الأسطوانية المنخفضة التي تمثل تقاليد دفن معقدة ومميزة، وتعكس هذه التصاميم مدى اهتمام شعب دلمون بالطقوس الجنائزية، كما تكشف عن ممارسات اجتماعية وثقافية متجذرة، وهو ما جعل الموقع شاهداً على ازدهار البحرين كمركز حضاري وتجاري بارز في تلك الحقبة.
أهمية الموقع تبرز في تنوع أحجام المدافن واختلاف تصاميمها، حيث عُثر على نماذج تُظهر وجود مقابر ملكية تشير إلى تراتبية اجتماعية واضحة، وهو ما يعكس التمايز الطبقي داخل حضارة دلمون، ويبرز ثراءها الثقافي وقدرتها على تنظيم مجتمع متطور يوازن بين السلطة والمعتقدات.
مدافن الجنبية تمثل جزءاً من 21 موقعاً أثرياً يشكلون معاً تلال مدافن دلمون، وهو أكبر تجمع مدافن في العالم، وقد أظهرت الحفريات تفاصيل دقيقة عن حياة المجتمع الدلموني، بما في ذلك الأدوات المستخدمة والطقوس المرافقة للدفن، ما وفر قاعدة معرفية مهمة لفهم طبيعة هذه الحضارة.
تقع المدافن في منطقة الجنبية الغنية بالتراث، حيث تظهر التلال الركامية براعة سكان دلمون في البناء والتنظيم العمراني، ويُعد الموقع وجهة مثالية للزوار والباحثين الراغبين في استكشاف تاريخ البحرين وفهم تفاصيل الحياة اليومية والمعتقدات القديمة التي سادت في الجزيرة.
كما تؤكد المدافن على الدور المحوري للبحرين كمركز تجاري قديم يربط بين الشرق والغرب، فقد كانت دلمون محطة رئيسية للتبادل التجاري، وهو ما انعكس على أنماط الحياة التي وثقتها المدافن، حيث يُظهر التصميم ارتباطاً وثيقاً بالثقافة الاقتصادية والدينية للمجتمع.
هيئة البحرين للثقافة والآثار تبذل جهوداً متواصلة للحفاظ على الموقع وتطويره، حيث تنظم فعاليات ثقافية وبرامج توعوية تهدف إلى تعريف الزوار بأهميته التاريخية، وقد ساعدت هذه الأنشطة في تعزيز مكانة الجنبية كوجهة سياحية بارزة تجذب المهتمين بالتراث الإنساني.
زيارة مدافن الجنبية تمنح فرصة فريدة لفهم تقاليد الدفن الدلمونية التي تجمع بين التعقيد والرمزية، فهي تحكي قصصاً عن حياة ومعتقدات السكان، وتشكل رحلة عبر الزمن إلى قلب حضارة دلمون، لتظل شاهداً على استمرارية الإرث البحريني عبر العصور.
الموقع اليوم يُعد رمزاً ثقافياً يعكس الترابط بين الماضي والحاضر، حيث يجذب الباحثين والسياح على حد سواء، ويمنح تجربة معرفية ملهمة تُبرز تفرد حضارة دلمون وإبداعها، ما يجعل استكشاف مدافن الجنبية تجربة لا تُنسى في تاريخ البحرين.
المصدر: ويكيبيديا