يمثل مجمع السلطان قايتباي تحفة معمارية إسلامية شامخة، إذ يتألف من كُتّاب ومدرسة ومسجد يجمع بين الوظائف الدينية والتعليمية في إطار معماري بديع، وقد أمر ببنائه السلطان المملوكي الأشرف أبو النصر قايتباي سنة 1474 ميلادية ليكون شاهدًا على مرحلة من أزهى عصور العمارة والفنون في مصر، يقع المجمع في قلب القاهرة، المدينة التي طالما احتضنت إرثًا حضاريًا متنوعًا جعلها من أبرز الحواضر الإسلامية.
ويعكس تصميم المجمع أسلوبًا معماريًا يجمع بين الجمال والوظيفة، حيث أبدع البناؤون المماليك في تشييد جدرانه وزخرفته بنقوش دقيقة تزينها الكتابات القرآنية، إلى جانب القباب والمآذن التي تعلو المكان وتضفي عليه هيبة وروحانية، فيما جاء توزيع عناصره الداخلية ليخدم أغراض التعليم والعبادة معًا، في دلالة على الرؤية التكاملية التي تميزت بها المؤسسات المملوكية.
كما حمل المجمع بعدًا اجتماعيًا بارزًا، إذ لم يكن مجرد مسجد للصلاة أو مدرسة للعلم الشرعي، بل فضاءً يجتمع فيه الناس لتلقي التعليم الديني والقرآني في الكُتّاب، ما جعله مركزًا للحياة اليومية ومكانًا للتواصل الثقافي والديني بين أفراد المجتمع، ليعكس بذلك الدور الريادي للمنشآت الإسلامية في الحياة العامة آنذاك.
وحظي المجمع بمكانة استثنائية حين أدرجته منظمة اليونسكو على قائمة التراث العالمي سنة 1979، ضمن القاهرة الإسلامية التي تحتضن العديد من المباني التاريخية الفريدة، وقد اعتبر إدراج المجمع اعترافًا عالميًا بقيمته الفنية والتاريخية، كونه يمثل نموذجًا متكاملًا لفنون العمارة الإسلامية المملوكية، ويعكس مكانة القاهرة كمدينة تزخر بالمعالم الأثرية التي لا مثيل لها.
ويعد السلطان قايتباي من أبرز حكام الدولة المملوكية الذين تركوا بصمة واضحة في المجال العمراني، إذ لم يقتصر عطاؤه على مجمع القاهرة وحده، بل شيد العديد من المنشآت في مصر وخارجها، لتبقى آثاره شاهدة على ازدهار الفنون الإسلامية وتطورها خلال عهده، حيث جمع بين البذخ الفني والوظائف العملية للمباني.
واليوم يظل مجمع السلطان قايتباي مقصدًا للزوار والمهتمين بالتاريخ والعمارة، إذ يقصده الباحثون لدراسة تفاصيله الدقيقة، ويحرص السياح على استكشاف عظمته المعمارية كجزء من رحلة اكتشاف القاهرة الإسلامية، وبين جدرانه المزخرفة وأروقته الرحبة يلمس الزائر عظمة الماضي وروحانية الحاضر، ما يجعل المجمع علامة بارزة في سجل التراث العالمي وذاكرة مصر الحية.
المصدر: ويكيبيديا