يُعتبر طبق الفتوش اليوم أحد أبرز وأشهر أنواع السلطات اللبنانية الأصلية، والتي اكتسبت شهرة واسعة في بلاد الشام، ثم بدأت تشهد رواجاً كبيراً في مختلف البلدان العربية والعالم.
وتُخبئ هذه الأكلة الشعبية حكاية قديمة متناقلة عبر الأجيال، حيث تربطها بعض الروايات بأحداث تاريخية جرت في منتصف القرن التاسع عشر.
تحكي القصة أن مجموعة من المسيحيين الفارين من المذابح في جبل لبنان وصلوا إلى مدينة زحلة، تحديداً إلى دارة عائلتي السكاف وفتوش، وكانا من العائلات الإقطاعية المعروفة.
استقبل آل فتوش الضيوف الهاربين بمائدة عامرة تضمنت أنواعاً فاخرة من اللحوم والطيور وأطباقاً عديدة، لكن الضيوف كانوا قد نذروا صوماً قبل وصولهم إلى بر الأمان، اكتفى أهل الجبل الصائمون بما وجدوه من خضار وأكلات نباتية متوفرة على المائدة، تجنباً لتناول الأطعمة المحرمة عليهم بسبب نذرهم.
وقُدمت أطباق عديدة من السلطات وطبق خاص من سلطة الخضار، وبدأ بعض الضيوف يأكل من أطباق السلطات مغمساً إياها بقطع الخبز المتاح.

ضحك أحد الحاضرين عندما رأى الضيوف يأكلون سلطة الخضار مع الخبز، ووجه كلامه لصاحب البيت قائلاً: “فتوش، شوف ضيوفك عمياكلو السلطة بالخبز، هيدي أكلة جديدة”، تدخل حينئذ البطريرك غريغوريوس يوسف، الذي كان رئيس بطريركية أنطاكية والإسكندرية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، واقترح تسميتها، وأعلن البطريرك قائلاً: “سنسمّيها فتوش ونأكلها في أيام الصوم الكبير”، لتوثيق هذا الحدث والوجبة الجديدة المرتبطة به.
صادف هذا التاريخ أواخر شهر رمضان من العام 1278 هجرية، الذي يوافق شهر صوم المسلمين، وهو ما خلق ارتباطاً زمنياً ودينياً بالوجبة الجديدة، ونقل جيران منطقة زحلة اللبنانية الفكرة إلى القرى الإسلامية المجاورة، وجعلوا طبق الفتوش مرتبطاً بصومهم في شهر رمضان المبارك، استمرت هذه العادة التراثية حتى يومنا هذا، لذلك بات من المستحيل أن تخلو أي مائدة رمضانية في بلاد الشام من طبق الفتوش المنعش والمغذي.
تُرجع رواية أخرى غير مؤكدة أصل طبق الفتوش إلى تركيا، حيث تقول إن “فتوش” هو اسم دلع لفاطمة في اللغة التركية، وترتبط القصة بامرأة بخيلة، وتروي هذه القصة أن “فتوش” كانت تتطفل على جيرانها، وتتعمد زيارتهم في وقت الإفطار في شهر رمضان، طمعاً في دعوة لتناول الطعام معهم، وصنع الجيران طبقاً من الخضروات مع ما تبقى من خبز قديم، لأنه ضيف ثقيل لا يرغبون في إطعامه طعاماً آخر، فسُمي هذا الطبق باسمها الساخر.
بات الفتوش اليوم طبقاً خفيفاً يُصنّف عالمياً على أنه طبق “شرق أوسطي” شهير، بعدما لاقى رواجاً واسعاً بين الشعوب التي تمتاز بوفرة الخضروات.
عُرفت السلطة قديماً في فلسطين باسم “أبو مليح”، وكانت تُصنع إما بالخبز الجاف أو بالخبز المحمص، قبل أن تتطور الوصفة وتنتشر، تطورت الوصفة وتنوعت في البلدان العربية الأخرى، التي أدخلت عليها أنواعاً جديدة من الخضار المتوفرة في مواسمها المتعددة.
يتكون طبق الفتوش التقليدي من مجموعة واسعة من الخضراوات الطازجة، بما في ذلك البندورة والخيار والخس والنعناع والفجل والبقلة والفليفلة الخضراء والبقدونس، تُضاف إليه أعواد البصل الأخضر والحامض أو رب الرمان والسماق وزيت الزيتون، والتي تمنحه نكهته المنعشة والمميزة، ويُعتبر الخبز المحمص المكون الأبرز الذي يميز الفتوش عن باقي السلطات، حيث يضيف إليه عنصراً مقرمشاً يجعله وجبة متكاملة ومحبوبة على مائدة الإفطار.
المصدر: ويكيبيديا