الأثنين 1447/02/10هـ (04-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » ليبيا » مرئي » الآثار » قوس سبتيميوس سيفيروس في لبدة الكبرى يعيد قراءة هيبة روما في قلب ليبيا

قوس سبتيميوس سيفيروس في لبدة الكبرى يعيد قراءة هيبة روما في قلب ليبيا

شُيّد قوس النصر المعروف باسم قوس سبتيميوس سيفيروس في مدينة لبدة الكبرى خلال عام 203 ميلاديًا، ليخلد ذكرى زيارة الإمبراطور سبتيميوس إلى مسقط رأسه في ليبيا.

ويعتبر هذا القوس من أبرز المعالم المعمارية التي تجمع بين الرمز السياسي والهندسة الرومانية المتقدمة، حيث اتخذ شكلاً رباعي الأضلاع يتقاطع عند التقاء شارعين رئيسيين في المدينة، وهما الكاردو والديكومانوس، ما أتاح له موقعًا استراتيجيًا يعكس مركزية السلطة ومكانة المدينة ضمن مدن الشمال الأفريقي في العصر الروماني.

يتحدث البناء عن قوة الإمبراطورية وهيبتها من خلال أبعاده وزخارفه، فقد بلغت أبعاد القوس ما يقارب 23 مترًا عرضًا، و20 مترًا طولًا، بينما امتد عمقه إلى أكثر من 11 مترًا، ويتكون القوس من أربع فتحات، تتوزع بينها ممرات مقببة، وتعلو كل منها أقواس مزينة بأعمدة وتيجان رخامية.

وقد رُفعت أرضية القوس عن مستوى الشارع ليمنحه ارتفاعًا إضافيًا يعزز حضوره البصري والرمزي، واعتمد البناء في قاعدته على حجارة جيرية ورملية شكّلت خرسانة قوية بسمك يتجاوز 6 أمتار، كانت بمثابة قاعدة داعمة للهياكل الرخامية والزخارف المعمارية اللاحقة.

يقرأ الزائر رسائل سياسية ودينية وثقافية في الزخارف المنحوتة التي تغطي واجهات القوس الأربع، وتُظهر النقوش موكبي نصر للإمبراطور، ومشاهد تقديم قرابين، وصورة عائلية تجمعه بابنيه كاراكالا وجيتا، إلى جانب نقوش لآلهة متعددة تمثل رموزًا رومانية مثل فورتونا، وجوبيتر، وجونو، ومنيرفا، فضلًا عن آلهة محلية مثل هيراكليس وباخوس، ويظهر على الجدران الداخلية للممرات عدد من اللوحات الصغيرة التي تُجسد مشاهد دينية وخرافية تعكس التعدد الثقافي في تلك المرحلة.

يحرر القوس ذاكرة الفن الروماني من طابعها الخطي، حيث تميزت الزوايا الخارجية له بنقوش دقيقة لآلهة النصر المجنحة “فيكتوريا” وهي ترفع التيجان وسعف النخيل وتحمل كرات الأرض، كما زُينت الزوايا بأغصان عنب تتخللها عصافير وأشكال لإله الحب “كيوبيد”.

أما اللوحات الأكبر التي تجاور تلك الزوايا فتُظهر الإمبراطور يعتلي عربة تجرها أربعة خيول، يحيط بها الجنود والحضور، في مشهد يمثل لحظة دخول ملكي أو انتصار عسكري، ما يمنح القوس بعدًا دراميًا يعكس روح الدعاية السياسية في روما القديمة.

عرض التاريخ في قوس سبتيميوس سيفيروس لا يقتصر على قيمته الجمالية أو العمرانية، بل يمتد إلى كونه تعبيرًا عن علاقة الإمبراطور بجذوره الليبية، فقد اختار أن يخلد اسمه في مدينته الأصلية من خلال قوس نصر يُجسد الإمبراطورية في أوج قوتها، ويجعل من لبدة الكبرى نقطة إشعاع حضاري في جنوب المتوسط، كما أن القوس يعكس تداخل السلطة والدين والأسرة في صورة واحدة، إذ لم يكن مبنيًا ليوثق حدثًا عابرًا، بل ليخلد سردية كاملة عن زمن ومكان وإمبراطور.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار