تشهد قناة واد بله الرومانية قرب مدينة شرشال بولاية تيبازة على براعة الرومان في ابتكار أنظمة متقدمة لتوزيع المياه، إذ شيدت في القرن الثاني الميلادي بهدف تأمين حاجات السكان من المياه الصالحة للشرب وري الأراضي الزراعية، وجاءت كجزء من شبكة هندسية دقيقة اعتمدت عليها مدينة قيصرية الرومانية التي كانت مركزاً حضارياً بارزاً في شمال إفريقيا، حيث جمع تصميم القناة بين الصلابة والقدرة على الاستمرار لعقود طويلة.
وتبرز القناة اليوم كأحد الشواهد البارزة على العمارة المائية الرومانية التي لم تقتصر على الأحواض والحمامات العامة بل امتدت إلى أنظمة متكاملة تضمن حياة حضرية مستقرة، فقد كان الرومان يعتبرون توفير المياه ركناً أساسياً في تنظيم مدنهم، وهو ما يتجلى في قناة واد بله التي عكست مدى تطور أساليبهم في استغلال الموارد الطبيعية وتطويعها لخدمة حاجات المجتمع.
ويأتي الموقع ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو في ملف “أماكن وطرق أغسطينوس في المغرب الأوسط”، ما يعزز قيمته العالمية ويضعه في دائرة الاهتمام الدولي، حيث يُنظر إليه كجزء من تراث متكامل يجمع بين التاريخ الديني والفكري والإنجازات الهندسية التي تركت بصمتها في المنطقة، كما يسهم إدراجه في هذه القائمة في فتح آفاق جديدة أمام حماية القناة وترميمها لتبقى شاهدة على عظمة الحضارة الرومانية.
ويشير خبراء الآثار إلى أن بناء القناة لم يكن مهمة بسيطة بل استلزم خبرات واسعة في قياس الانحدارات وحساب تدفق المياه وتحديد مساراتها بدقة، حيث شُيدت باستخدام الحجارة المحلية ومواد مقاومة لضمان استمرارية تدفق المياه عبر مسافات طويلة، وقد اعتمد الرومان على هذه القنوات لربط ينابيع المياه بالمدن الكبرى مما ساعد في ازدهار الأنشطة الزراعية والتجارية على حد سواء.
ولا تزال قناة واد بله تحظى باهتمام الباحثين والمهتمين بالتاريخ، إذ يدرسون من خلالها تطور أنظمة إدارة المياه في العصور القديمة ويقارنونها بالابتكارات الحديثة، مما يكشف عن أن الكثير من المبادئ الهندسية التي وضعها الرومان لا تزال صالحة حتى اليوم، حيث تتجسد في هذه القناة معايير الدقة والاستدامة التي ميزت أعمالهم.
ويشكل الموقع حالياً وجهة للزوار الذين يقصدون مدينة شرشال لاستكشاف تراثها الغني، حيث تمنح القناة فرصة للتعرف على تاريخ يمتد لقرون طويلة وتفتح نافذة على حياة حضارية كانت المياه فيها عنصراً محورياً لتنظيم العمران، كما أن القناة تحولت إلى رمز يربط سكان المنطقة بجذورهم التاريخية ويعزز وعيهم بقيمة الحفاظ على الموروث الثقافي.
وتكشف قناة واد بله عن أن الرومان لم يتركوا مجرد آثار حجرية بل نظم حياة متكاملة، حيث ساهمت هذه القناة في تأمين أساسيات العيش وإرساء دعائم الاستقرار، وهو ما يجعلها اليوم معلمة أثرية ذات أهمية خاصة تسهم في إبراز دور الجزائر كمركز للتلاقي بين الحضارات القديمة.
المصدر: ويكيبيديا