تشهد قلعة كركوك، المعلم الأثري الأهم في شمال العراق، حالة من الترقب بعد وعود رسمية بترميمها وصيانتها، وسط مطالب محلية ودولية بإدراجها ضمن أولويات إعادة الإعمار والحفاظ على التراث.
وتمثل القلعة، التي تعود جذورها إلى العصور الآشورية، شاهداً حياً على تعاقب حضارات متعددة، حيث ارتبطت بتسميات تاريخية مختلفة مثل أرافا وأرابخا وكركا د بيث سلوخ، ووصفها بطليموس باسم كوركور، بينما ظلت لعقود طويلة نقطة التقاء ثقافي وديني وجغرافي في قلب كركوك.
احتضنت القلعة نشاطاً بشرياً منذ أكثر من 5 آلاف عام، وفق ما كشفت عنه نقوش وكتابات سومرية ومصادر تاريخية عربية، وأكد باحثون أن الكورد استخدموها لاحقاً كحصن دفاعي في مواجهة هجمات متكررة، ما أضفى عليها صفة المكان العسكري المحصّن بجدران شاهقة وأبراج مراقبة، معتمدة على مواد بناء محلية متينة كالطابوق المشوي والحجر الجيري، ونظام أساسات عميقة وتقنيات متقدمة بالأقواس والقباب.
ورغم مرور قرون على بنائها، لا تزال أبوابها الأربعة بارزة المعالم وهي: باب الطوب، باب البنات السبع، باب الحلوجية، والباب الرئيسي ذو المدرجات.
تتضمن القلعة مجموعة من المعالم الدينية والمعمارية التي تمثل التنوع الطائفي والعرقي في المدينة، أبرزها الجامع الكبير، جامع النبي دانيال، جامع العريان، جامع حسن باكيز، وجامع فضولي، إلى جانب كنيسة أم الأحزان التي أعيد بناؤها سنة 1911، ومقامات دينية تعود للأنبياء دانيال وحنين وعزير، إضافة إلى بيوت تراثية قديمة منها بيت طيفور، وبيت عبد الغني، وبيت سيد فاتح.
وفي أكتوبر 2024، أعلنت هيئة الآثار العراقية اكتشاف وحدات بنائية وورش فخارية ومقابر تضم هدايا دفنية، تعود إلى ما قبل 4 آلاف عام، ما أسفر عن العثور على أكثر من 150 قطعة أثرية، وتزامنت هذه الاكتشافات مع إعلان دائرة آثار كركوك عن خطة ترميم شاملة تشمل أكثر من 80 مرفقاً داخل القلعة، من بينها الجوامع والكنائس والبيوت التراثية، فيما تقدمت المحافظة بكشوف مالية قدرت بـ30 مليار دينار لإعادة تأهيل القلعة والمنطقة المحيطة بها.
وفي السياق ذاته، تواصل الوكالة التركية “تيكا” تنفيذ مشاريع ترميم تشمل مقام النبي دانيال والمقبرة العثمانية، بينما تتعاون السلطات المحلية مع جهات دولية بهدف ضمان الترميم وفق معايير منظمة اليونسكو، التي أدرجت القلعة ضمن لائحة التراث العالمي التمهيدية.
يرى الباحث صلاح عريبي أن قلعة كركوك تمثل نموذجاً فريداً للتنوع الثقافي والديني والعرقي، حيث احتضنت مسلمين ويهوداً ومسيحيين عبر التاريخ، وساهمت في تشكيل نواة اجتماعية متماسكة رغم تنوعها، كما تعكس النقوش والزخارف المعمارية الموجودة على جدرانها هوية المدينة الثقافية الممتدة منذ العصر السومري وحتى العصر العثماني.
تحتفظ القلعة بتاريخها الغني المرتبط بشخصيات بارزة مثل نادر شاه، إبراهيم باشا الملي، الملك غازي، خالد النقشبندي، وداود باشا، الذين اتخذوا منها مركزاً للقيادة أو الإقامة أو النشاط الديني، ما يعزز مكانتها السياسية والدينية عبر العصور.
اليوم، تقف قلعة كركوك صامدة في وجه الزمن، لكنها بحاجة إلى قرارات تنفيذية حقيقية تعيد لها دورها كمركز حضاري وسياحي، بعدما تحولت أجزاء منها إلى أطلال مهددة بالاندثار في حال تأخر الترميم أو تراجع الدعم المالي.
المصدر: كردستان بالعربي