أنشأ صلاح الدين الأيوبي قلعة الجبل في الفترة بين عامي 1176 و1183 ميلادياً على مرتفعات جبل المقطم شرق القاهرة، لتكون مركزاً للدفاع والحكم، وجاء بناؤها ضمن خطة تحصين شاملة لمواجهة الأخطار الصليبية، لتتحول مع مرور الزمن إلى مقر رسمي للسلطة ومركز عسكري وإداري رئيسي في الدولة.
اختير موقع القلعة بعناية ليمنح إشرافاً كاملاً على القاهرة والفسطاط، وهو ما منحها مكانة استراتيجية استمرت عبر العصور، وقد شهدت القلعة لاحقاً توسعات كبيرة خاصة في العهد المملوكي، كما خضعت لتعديلات معمارية هامة خلال فترة حكم محمد علي باشا الذي اتخذها مقراً لحكمه.
تضمنت القلعة العديد من المنشآت المهمة مثل مسجد محمد علي الذي أُنشئ على الطراز العثماني، ومسجد الناصر محمد بن قلاوون، إلى جانب الأسوار والأبراج وبئر يوسف، ما يعكس تنوع الاستخدامات العسكرية والدينية والإدارية، ويبرهن على التطور المعماري داخل أسوارها في فترات زمنية مختلفة.
أدرجت منظمة اليونسكو القلعة في عام 1979 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي في إطار تصنيف “القاهرة الإسلامية”، وهو ما يبرز مكانتها كموقع أثري يحتفظ بقيمته المعمارية والتاريخية، ويجسد مراحل متعددة من تطور نظم الحكم والعمارة العسكرية في العالم الإسلامي.
احتفظت القلعة بهيكلها المعماري الأساسي، وخضعت على مر السنين لأعمال ترميم شملت الأسوار والمباني الداخلية، ما ساهم في تعزيز قدرتها على استقبال الزوار والوفود الرسمية، وأتاح استخدامها كموقع سياحي وتعليمي يعرض جوانب من تاريخ مصر السياسي والعسكري.
شهدت القلعة أحداثاً سياسية بارزة منها صراعات الحكم والتغييرات السلطوية، كما كانت شاهدة على قرارات كبرى ومراسيم سلطانية، ويُعد موقعها وتخطيطها خير دليل على عمق الفكر الاستراتيجي في العصور الإسلامية الوسطى، حيث جُعلت حصينة دون إغفال الجانب المعماري والزخرفي.
تحولت القلعة اليوم إلى مَعلم رئيسي ضمن معالم القاهرة الإسلامية، وتستقبل آلاف الزوار سنوياً، وتُستخدم مساحاتها المفتوحة في أنشطة ثقافية وفنية، ما يعزز من دورها في ربط التاريخ بالمجتمع، ويجعلها جزءاً فعالاً من المشهد الثقافي والذاكرة الحضرية للعاصمة المصرية.
المصدر: ويكيبيديا