موقع القلعة، ترشيحها للتراث العالمي، ارتباطها بالقبائل العريقة، تكوينها المعماري المتماسك، أعمال الترميم المستمرة، ووظيفتها السياحية الحديثة كلها عناصر تؤكد مكانة قلعة بهلاء التاريخية في سلطنة عمان، إذ شكّلت عبر القرون مركزًا سياسيًا وعسكريًا وثقافيًا له تأثير دائم على ملامح المنطقة وموروثها.
تقع القلعة في واحة بهلاء بمحافظة الداخلية على السفوح الغربية للجبل الأخضر، وتعد واحدة من أقدم القلاع في عمان، حيث يرجع بناؤها الأساسي إلى القرن الثالث عشر الميلادي، غير أن مصادر تاريخية تشير إلى وجود أساسات أقدم ربما تعود إلى القرن الثاني أو الثالث الهجري.
وقد لعبت القلعة دورًا مركزيًا في فترة حكم بني نبهان، الذين بسطوا سيطرتهم على الداخل العماني بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر، مما منحها أهمية سياسية وحربية جعلت منها رمزًا للسلطة والدفاع، وركيزة للنفوذ القبلي في فترات متقلبة من تاريخ البلاد.
تتميز قلعة بهلاء بهندستها الدفاعية المعقدة، التي شملت أبراجًا متينة وأسوارًا عالية وفتحات مراقبة ومواقع لإطلاق النيران، وتبرز القلعة كبنية صممت خصيصًا لتحمل الحصار والتصدي للهجمات، وقد اعتمد في بنائها على الطين والجص والحجارة المحلية، مما جعلها نموذجًا فريدًا للعمارة الدفاعية في البيئة الجافة القاسية.
كما يظهر في تصميمها تكامل واضح بين الاستخدام الوظيفي والجماليات المعمارية، إذ توزعت الغرف والساحات بطريقة ذكية تتيح السيطرة والمراقبة وتوفر بيئة معيشية للإدارة والجنود في آن واحد.
حصلت القلعة على اعتراف دولي عندما أُدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1988، وكانت أول معلم عماني يحصل على هذا التصنيف، ما يعكس قيمتها المعمارية والتاريخية، ويفرض التزامات على الدولة في صيانة المعلم وفق معايير الحفظ العالمية.
وقد خضعت القلعة منذ التسعينيات لعدة مشاريع ترميم تهدف إلى تعزيز استقرار بنيانها الأصلي وإزالة التشوهات، إضافة إلى تهيئة المرافق لاستقبال الزوار وتقديم تجربة متكاملة تجمع بين التثقيف والمتعة.
يتكامل المشهد العام حول القلعة مع وجود المسجد الجامع القريب منها وسور الواحة التاريخي، ما يجعلها ضمن نسيج حضري متماسك يعكس خصائص المدن الإسلامية القديمة، ويمثل القلعة والمسجد والسور نموذجًا للوظائف الدينية والدفاعية والعمرانية المتداخلة، حيث عكست تلك العناصر روح الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية في بهلاء قديماً، وقد ساهمت هذه المنظومة في ترسيخ القلعة كأحد المراكز الثقافية ذات الدور الممتد على مدى قرون.
اليوم، تستقطب القلعة آلاف الزوار من داخل السلطنة وخارجها، خاصة المهتمين بالتاريخ العماني والعمارة الإسلامية، وتعمل الجهات المسؤولة على تطوير الموقع من خلال توفير دلائل إرشادية وخدمات أساسية ومسارات للزوار دون المساس بجوهر القلعة، وتبقى قلعة بهلاء شاهدًا على قدرة الإنسان العماني في صناعة مجد مستمر، واستثمار التاريخ في بناء الهوية الوطنية.
المصدر: ويكيبيديا