بنى المعظم عيسى بن العادل قلعة السلط الأثرية في مدينة السلط الأردنية لمواجهة الحملات الصليبية في بداية القرن الثالث عشر الميلادي، وحرص على اختيار موقع استراتيجي مرتفع يتيح السيطرة على المنطقة المحيطة، وتعد القلعة من أبرز المعالم التي تعكس العمارة العسكرية في العهد الأيوبي، كما يظهر تصميمها الدفاعي المميز في بقايا السور والحصون التي بقيت حتى اليوم.
تدهورت حالة القلعة بشكل ملحوظ خلال حملة إبراهيم باشا على بلاد الشام عام 1834، وانهارت معظم أجزاء البناء ما عدا بعض الأقسام التي تشير إلى الهيكل الأصلي، وتم استخدام حجارتها في بناء مسجد قريب، كما تضم المنطقة مقبرة للجنود العثمانيين، وتظل آثارها شاهدة على الأحداث التاريخية التي مرت بها السلط، وتظهر أهمية الموقع في الدفاع العسكري والسيطرة على الطرق التجارية القديمة.
أدرجت قلعة السلط ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2021، ضمن موقع “مدينة السلط – مدينة التسامح والضيافة الحضارية”، لتسليط الضوء على قيمتها التاريخية والثقافية، ويعد هذا الإدراج خطوة لتعزيز الحفاظ على المعالم الأثرية وربطها بالهوية الحضارية للمدينة، كما يفتح المجال أمام البحث والدراسة للمهتمين بالعمارة الأيوبية والحصون التاريخية.
يمثل الموقع اليوم مزيجًا من التاريخ العسكري والثقافة المحلية، ويجذب الزوار والباحثين لاطلاعهم على بقايا السور والأبراج التي كانت جزءًا من منظومة دفاعية متكاملة، وتبرز القلعة دور السلط في التاريخ الإقليمي ومكانتها الاستراتيجية خلال العصور الوسطى، كما تعكس جهود الحفاظ على التراث المادي والمعنوي للمدينة، وتوفر تجربة تعليمية وتاريخية فريدة للزوار.
تشير الدراسات التاريخية إلى أن القلعة كانت محورًا لمراقبة الحركة التجارية والعسكرية بين المدن المحيطة، وكانت تلعب دورًا مهمًا في حماية طرق القوافل، كما ساهم موقعها المرتفع في تقديم ميزة دفاعية واضحة، وتكشف الآثار المتبقية عن مهارة البناء الأيوبي في توظيف التضاريس الطبيعية لصالح الدفاع والتحصين، وهو ما يجعل الموقع نقطة محورية لفهم العمارة العسكرية في العصور الوسطى.
يمثل إدراج قلعة السلط ضمن مواقع التراث العالمي أيضًا فرصة لتعزيز السياحة الثقافية في الأردن، وتشجيع البحث الأثري والدراسات التاريخية، ويؤكد على أهمية الحفاظ على المعالم التاريخية التي تحمل قصة المكان وتوثق التفاعل بين الحضارات المختلفة، وتبرز القلعة كمثال حي على كيفية تداخل التاريخ والثقافة والدفاع العسكري في مكان واحد، كما تشجع الزوار على التعرف على تاريخ المدينة وتراثها العريق.
يمكن ملاحظة أن قلعة السلط ليست مجرد أطلال أثرية، بل هي رمز للهوية التاريخية للمدينة، وتعكس صمودها عبر العصور والتغيرات التي شهدتها المنطقة، ويشكل الحفاظ عليها مسؤولية مجتمعية وثقافية، وتؤكد على أهمية ربط التاريخ بالواقع المعاصر لتسليط الضوء على دور التراث في تعزيز الفهم الحضاري والمجتمعي، ويستمر الموقع في كونه مقصدًا للباحثين والزوار على حد سواء، كما يقدم فرصة لتقدير الإنجازات المعمارية القديمة.
المصدر: اليونسكو