تشكل قلعة أنفه الأثرية إحدى العلامات التاريخية البارزة في شمال لبنان، حيث تقع في بلدة أنفه التابعة لمحافظة الشمال، ويعود تاريخها إلى فترة الحملات الصليبية في القرن الثاني عشر الميلادي، ما يجعلها شاهداً على مرحلة عاصفة من تاريخ المنطقة التي عرفت صراعاً محتدماً بين القوى الصليبية والمماليك، وقد ارتبطت القلعة بأحداث عسكرية وسياسية مهمة عكست طبيعة التحولات التي شهدها الساحل اللبناني في تلك الحقبة.
وتتميز القلعة بموقعها الاستراتيجي المطل على البحر المتوسط، حيث شكّلت نقطة مراقبة ودفاع أساسية خلال العصور الوسطى، وقد استخدمها الصليبيون لحماية الممرات البحرية وتأمين سيطرتهم على الساحل، إلا أن سقوطها كان حتمياً مع توسع نفوذ المماليك الذين تمكنوا في عام 1289 من هدمها بالكامل، لتبقى أطلالها شاهداً صامتاً على انهيار مرحلة وبداية أخرى في تاريخ المنطقة.
ويشير الباحثون إلى أن قلعة أنفه كانت جزءاً من شبكة تحصينات صليبية امتدت على طول الساحل الشرقي للمتوسط، حيث لعبت دوراً في تأمين خطوط الإمداد وحماية الموانئ، وقد انعكس ذلك على تصميمها المعماري الذي جمع بين الطابع الدفاعي والقدرة على مواجهة الهجمات البحرية، ومع ذلك فإن اندثار معظم معالمها اليوم يجعل من بقاياها مصدراً مهماً لدراسة تاريخ التحصينات في العصور الوسطى.
ويرتبط الموقع تاريخياً بعملية إعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري في لبنان بعد دخول المماليك، حيث شكّل تدمير القلعة جزءاً من استراتيجية شاملة هدفت إلى إنهاء الوجود الصليبي على السواحل، وهو ما منحها بعداً رمزياً باعتبارها إحدى النقاط التي تجسد التحول في موازين القوى، وقد بقيت في ذاكرة المنطقة كعلامة فارقة على نهاية مرحلة طويلة من الصراع.
ويكتسب الموقع أهمية إضافية كونه مدرجاً ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت مسمى “رأس القلعة / رأس الناطور / رأس الملاليح”، ما يعكس قيمته العالمية وضرورة الحفاظ عليه، إذ يمثل القلعة جزءاً من التراث الإنساني الذي يوثق فترات متعاقبة من التاريخ، ويساعد على فهم طبيعة العلاقات الحضارية والعسكرية في شرق المتوسط.
وتبقى قلعة أنفه مقصداً للزوار والمهتمين بالآثار، حيث يقصدها الباحثون والرحالة للتعرف على معالمها المندثرة وموقعها المطل على البحر، ويستحضرون من خلال أطلالها قصص الماضي وأحداثه، كما تشكل القلعة عنصراً يعزز الهوية المحلية لأهالي أنفه الذين يرون فيها رمزاً لصمود منطقتهم في وجه التحديات التاريخية، وهو ما يجعلها حاضرة في الذاكرة الجماعية رغم اندثار معالمها العمرانية.
المصدر: اليونسكو