السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » مادي » الآثار » قصر مدنين.. حصن الحبوب الذي يحكي قصص الأمازيغ في جنوب تونس

قصر مدنين.. حصن الحبوب الذي يحكي قصص الأمازيغ في جنوب تونس

يُمثل قصر مدنين مبنى محصناً فريداً من نوعه، يقع في مدينة مدنين بجنوب شرق تونس، ويُعد شاهداً على العمارة الدفاعية والتخزينية لمجتمعات المنطقة،ويُعتقد أن تاريخ بناء هذا القصر يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي، مما يجعله معلماً تاريخياً بامتياز.

بُني القصر على يد مجتمعات البربر (الأمازيغ) المحلية، الذين استخدموه كمنظومة متكاملة، توفر لهم الأمن وتلبي احتياجاتهم المعيشية الأساسية،ويتكون المبنى من مجموعة متراصة من الغرف، خُصصت للسكن إلى جانب وظيفتها الرئيسية كأماكن لتخزين الحبوب والمحاصيل.

يعكس هذا النمط المعماري قدرة السكان على التكيف مع البيئة القاسية والظروف الأمنية المتقلبة في المنطقة، حيث كان التخزين المشترك للمحاصيل يوفر ضماناً جماعياً ضد المجاعة أو الغزو،وقد ساهم هذا التصميم في إضفاء طابع اجتماعي واقتصادي على القصر.

يُعد قصر مدنين أحد العناصر المكونة لموقع “مساكن الكهوف وعالم القصور في جنوب تونس”، وهو الموقع المدرج في القائمة الإرشادية المؤقتة لمنظمة اليونسكو،ويُبرز هذا الإدراج القيمة العالمية والاستثنائية لهذا النمط المعماري التونسي الأصيل.

يُظهر التصميم المعماري للقصر، الذي يشبه القلاع الصغيرة المترابطة، المهارة الهندسية لسكان المنطقة، حيث كانت الغرف تُبنى فوق بعضها البعض لتشكل جداراً دفاعياً طبيعياً،وقد ساعدت هذه الكتل المعمارية المتراكمة في تأمين الحبوب ضد السرقة والعوامل الجوية.

تُشجع زيارة الموقع على فهم أعمق للحياة اليومية لسكان جنوب شرق تونس في تلك الحقبة، وكيفية تنظيمهم الاجتماعي والاقتصادي حول مفهوم الحصن المخزني،ولم يكن القصر مجرد مخزن، بل كان أيضاً مركزاً للتفاعل الاجتماعي والتجاري في المنطقة.

تُسهم جهود المحافظة على قصر مدنين، وبقية القصور المشابهة في المنطقة، في حماية هذا التراث المادي النادر الذي يروي قصص السكان الأصليين للمغرب العربي،ويستقطب الموقع اليوم عدداً متزايداً من السياح المهتمين بالتاريخ المعماري الشعبي.

يُعبر قصر مدنين عن عبقرية المكان، حيث استلهمت تصاميمه من الطبيعة الجبلية المحيطة، وتم استخدام مواد بناء محلية بسيطة ومتوفرة، مما جعله جزءاً عضوياً من المشهد الطبيعي،وتظل هذه القصور التاريخية دليلاً حياً على استدامة البناء التقليدي.

تتطلب عملية تسجيل الموقع في القائمة النهائية لليونسكو المزيد من الدعم والترميم العلمي، لضمان استمرارية صموده أمام عوامل التعرية وتحديات الزمن، وتُعد هذه القصور ذاكرة جماعية للمنطقة، تستحق كل العناية والاهتمام الدولي.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار