يحتفظ قصر الملكة أروى بنت أحمد الصليحي في مدينة جبلة بمحافظة إب اليمنية بمكانة تاريخية بارزة، فقد كان مقر إقامة أول ملكة مسلمة حكمت اليمن خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، واتخذت منه مركزًا لإدارة شؤون الدولة الصليحية، كما عُرف القصر باسم دار العز، ويُروى أنه احتوى على 365 غرفة، وهو ما جعله رمزًا للفخامة والقدرة المعمارية في تلك الحقبة.
يبرز القصر باعتباره أحد أهم المعالم في مدينة جبلة التي كانت عاصمة الدولة الصليحية، فقد شكّل القلب السياسي والإداري للمملكة، حيث كانت الملكة أروى تدير من داخله شؤون الحكم، وتستقبل الوفود، وتصدر القرارات، مما جعل منه أيقونة للسلطة النسوية في تاريخ اليمن.
ولم يقتصر دوره على الجانب السياسي، بل أصبح مع مرور الزمن جزءًا من الهوية العمرانية للمدينة، إذ ارتبط اسمه بعمارتها وزخارفها ذات الطابع الفاطمي.
تميز القصر بضخامته المعمارية التي لا تزال شواهدها قائمة رغم عوامل الزمن، حيث قيل إن كل غرفة كانت مخصصة ليوم من أيام السنة، وهو ما يعكس دقة التخطيط العمراني الذي ميز الدولة الصليحية، كما يظهر مدى العناية التي أُحيط بها البناء من حيث الزخرفة والوظائف المتعددة التي احتضنها.
المؤرخون أن هذا القصر لم يكن مجرد مقر ملكي بل كان مؤسسة سياسية وثقافية تعكس نفوذ الملكة أروى ومكانتها في الوجدان اليمني.
شهد القصر تحولًا بارزًا في تاريخه عندما أمرت الملكة أروى بتحويله إلى مسجد بعد أن قضت سنوات طويلة في إدارته، حيث بقيت بعض العناصر المعمارية والزخرفية شاهدة على الطابع الفاطمي الذي ميز مباني تلك الفترة، ولا تزال آثار هذا التحول ماثلة حتى اليوم في بقايا القصر التي تكشف عن مزيج من الهيبة السياسية والروح الدينية.
اليوم، يقف القصر في هيئة أطلال تحمل ملامح الخراب، فقد انهارت أجزاء كبيرة من جدرانه، وزالت أسقفه، وباتت معالمه في حاجة إلى تدخل عاجل للحفاظ عليها، حيث تشير تقارير عديدة إلى حالة الإهمال التي يعانيها الموقع، على الرغم من قيمته التاريخية والتراثية الكبيرة، وهو ما يعكس غياب الرعاية الرسمية لمعلم يعد شاهدًا على مرحلة مهمة في تاريخ اليمن.
تحتل مدينة جبلة التي يقع فيها القصر موقعًا بارزًا ضمن قائمة المدن التاريخية في اليمن، حيث ارتبط اسمها بالدولة الصليحية وبالملكة أروى التي تركت فيها بصمتها المعمارية والسياسية، وقد أدرجت المدينة بما فيها القصر ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لمنظمة اليونسكو للتراث العالمي، مما يعزز من أهمية الالتفات إلى هذا الصرح الأثري وصونه قبل أن يندثر تحت وطأة الإهمال والزمن.
القصر إذن ليس مجرد بناء قديم بل هو سجل مفتوح يحكي قصة امرأة حكمت اليمن بحزم ورؤية، ويعكس مرحلة ازدهار سياسي وثقافي، ويؤكد أن جبلة لم تكن مجرد مدينة بل كانت عاصمة نابضة بتاريخها، وهو ما يجعل إنقاذ هذا المعلم مسؤولية وطنية وثقافية لا تحتمل التأجيل.
المصدر: ويكيبيديا